والبنك حينئذ مضارب مستقل مع العميل بعقد مستقل، وهو -أي البنك- مع المودعين المستثمرين عامل مضارب بعقد مستقل.
فالعقود مستقل بعضها عن بعض؛ لورود النصوص المبيحة للعمل التجاري على العموم والإطلاق بلا تفصيل، ومن ادعى المنع لزمه الدليل المقيد أو المخصص.
وعليه فلا مانع من ذلك شرعا، ولأن يد البنك المضارب مطلقة في التصرف، ولأن المستثمرين المودعين علموا بهذا التصرف عند العقد وحصل الرضى فجازت، ولا يمكن تخريجها على الخلاف في المسألة القديمة في مضاربة العامل لمضارب آخر، لأن البنوك لا تضارب بنفسها فقط، بل بنفسها ومع غيرها بدفعه إلى جهات استثمارية.
ومعلومية هذا التعامل يخرجه عن الخلاف في المسألة عند تخريجها على ما مضى.
بل العمل التجاري لا تقوم مصالحه في هذا العقد إلا بإطلاق نظر المضارب، وهو البنك أو الشركة في التصرف المصلحي.
ولا حاجة إلى القول بأنها عقد جديد بمسمى المضاربة المشتركة بجعل البنك وسيطا بين الطرفين لعدم الحامل الداعي لذلك إلا تكلف لا معنى له، فإن اصطلح على ذلك فلا يضر؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح.
ولأن جعلها مضاربة ثلاثية مشتركة لا يؤثر على أحد العقدين؛ إذ لا علاقة لكل بالآخر.
مسئولية البنك في النظر المصلحي ودراسة الجدوى:
والبنك مسئول في مضارباته التجارية أن ينظر بالنظر المصلحي في أموال المستثمرين لديه، فلا بد أن يجعل له نسبة من الربح كافية مع الجهات التي يضارب بالأموال فيها؛ لأنها -أي المضاربة- حقيقة بينه وبين المودعين، فوجب النظر المصلحي لهم؛ وهذا من النظر المصلحي للمودعين المستثمرين.
والنظر المصلحي واجب عليه فلا يجوز للبنك أن يتصرف في تقليل نسبته من الربح بما يضر بالعملاء، بل الأموال المدفوعة إليه شَرْطُها تحصيل غايةِ المصلحة الاستثمارية، وهو شرط معتبر، فيعمل به كجزء من الإيفاء بالعقد؛ لأن دونه مع الاستطاعة لما فوقه ضرر لا نظر.