للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)، فقدر القوت لكل من سأل القوت من بشر أو حيوان أو جن، دليله قوله تعالى (سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) أي الأقوات مستوية مع الطلب (١)، فكل طالب للقوت واجد له لا كل محتاج، وإلا لقال «سواء للمحتاجين».

وهذا يعلل حصول الفقر بأنه ناتج عن عدم الطلب، إما للعجز والقصور من الطالب، أو لحصول موانع، وقد تكون الموانع نفسية كالعي، أو خارجية كالاضطرابات والحروب والإحصار والجوائح السماوية، وقد قال الله سبحانه (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢٨٣)، فوصف الفقير بأنه من لا يستطيع ضربا ولا تقلبا في الأرض للرزق.

وهذا من تعليل الحكم بمناسب؛ إذ عدم التقلب طلبا للرزق مؤد إلى الفقر.

وقال سبحانه (لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: ١ - ٤). فجمع بين توفر الأمن والغذاء والتقلب في الحركة التجارية والائتلاف والاستقرار.

والموانع السابقة وجودها وعدمها ناتج عن الكسب البشري.

وكذا جميع الظواهر العامة ناتجة عن الكسب البشري صلاحا وفسادا، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: ٩٦)، وقال سبحانه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: ٤١).


(١) - «سواء للسائلين» .. هو متعلق بما قبله، وهو بارك، قدَّر، جعل على التنازع كما قرره غير واحد من أهل التفسير. وخلاصة كلام أهل التفسير لا يخرج عن هذا، وعلى قراءة الرفع تكون الجملة مبتدأة لما سبق جميعا تقديره (وذلك سواء للسائلين).
ومما يؤيد ما ذهبنا إليه ما قاله ابن جرير الطبري في تفسيره (٢٠/ ٣٩٠): «سواء» بالنصب وقرأه أبو جعفر القارئ: (سواء) بالرفع، وقرأ الحسن: (سواء) بالخفض. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار، وذلك قراءته بالنصب لإجماع الحجة من القراء عليه، ولصحة معناه. وذلك أن معنى الكلام: قدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم إليه الحاجة، وعلى ما يصلحهم. وقد ذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: (وقسم فيها أقواتها).

<<  <  ج: ص:  >  >>