والبركات السماوية والأرضية هي أعم من مجرد الوفرة، بل هي في اجتهادنا تحقيقُ مقصودات الحياة بنسبة عالية مضاعفة مقابل نسبة الكسب والجهد القليلة. وتفسير ذلك أن الوفرة المالية تعوقها أفكار وتصرفات الخلق وهي أمور: الشح، والمنع، والحسد، والبغي، والتكاثر، والكنز، والإسراف والتبذير.
فأما الشح والمنع فهما مؤديان لمنع الحقوق المتعلقة بالمال وقد قال الله تعالى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر: ٩).
وأما المنع فحرمه الله بالنص (مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)(القلم: ١٢)، والخير هو المال وغيره، وقد دمر الله ثروة أصحاب الجنة لما منعوا الخير منها عن الناس وشحوا عن إعطاء الحقوق إلى أهلها، وقصتهم معروفة منصوصة في القرآن.
وأما الحسد ففيه نصوص كثيرة تحرمه، وتأثيره على التجارات والوفرة وتداول الخير ظاهرٌ؛ لأدائه إلى التقاطع والتدابر والكيد والمكر، وهذا مؤثر على الحياة عموما وعلى التجارات خصوصا عند حصوله بين التجار والمستثمرين.
وأما البغي المتعلق بالمال فهو أن يتخذ المال وسيلة للفساد في الأرض وللطغيان والعدوان وارتكاب المآثم والجرائم والفخر والخيلاء على الخلق (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(القصص: ٧٦).
وقد بين الله في سورة الليل أن البخيل المستغني مآله إلى التعسير والتردي، ومآل المعطي المُصَدّق بالجزاء من الله إلى التيسير في الدارين (١)، (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)(الليل: ٥ - ١٠).
(١) - في تفسير البحر المحيط (٨/ ٣٦٣): أي نهيئه للحالة التي هي أيسر عليه وأهون وذلك في الدنيا والآخرة.