للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد تأول سيبويه البيت على ثلاثة أوجه (١):

أحدها: أن يكون أنت فاعلا بفعل مضمر تقديره انظر، وتكون الفاء قد دخلت دخولها في قولك: زيدا فاضربه كأنه قال: مهما يكن من شيء فانظر لأي ذاك تصير أي: لا يصدنك شيء في النظر؛ لأنه أمر لازم ولا بد منه.

الثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: أنت مرادي.

الثالث: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: المراد أنت؛ فلم يكن لأبي الحسن دليل قاطع على الزيادة.

وأما ما ذهب إليه بعض الكوفيين من أنها تدخل لما في الكلام من الشرط المقدر، وجعلوه بمنزلة: زيدا فاضرب [١/ ٣٨٩] فلا يثبت، وأنا أبين ذلك فأقول (٢):

اعلم أن العرب إذا حذفت الشرط، جعلت مكانه ما يتضمن حذف الشرط فتقول: أما زيد فمنطلق، وأما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر. الأصل: مهما يكن من شيء فزيد منطلق، أو فاضرب زيدا، أو فامرر بزيد، ثم حذفت العرب الشرط وجعلت مكان الجملة كلها (أمّا) فصار: أما فزيد منطلق، فجاءت الفاء تلي الحرف الذي يدل على الشرط، فقبح اللفظ؛ لأن حرف الشرط لا تليه الفاء التي تلقى بها الشرط، فقدموا شيئا من جملة الجواب على الفاء، ليزول قبح اللفظ، فقالوا: أما زيد فمنطلق، وأما منطلق فزيد. وكذلك أما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر، ولم يسمع حذف الشرط، ولم يجعل مكانه أمّا، واكتفي بالفاء إلا بشرطين:

أحدهما: أن تكون الجملة فعلية.

والثاني: أن تكون اقتضائية نحو: زيدا فاضرب، وبزيد فامرر.

قال الله سبحانه وتعالى: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٣) وقال تعالى: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٤). انتهى، وهو أكثر تنقيحا من كلام ابن عصفور في هذا الموضع. -


(١) انظر كتاب سيبويه: (١/ ١٤٠، ١٤١) وانظر حديث سيبويه عن اقتران الخبر بالفاء في كتابه: (١/ ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠) وانظر كلام المبرد عنه في المقتضب: (٣/ ١٩٥) وما بعدها.
(٢) الكلام لأبي الحسن عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع، سبقت ترجمته.
(٣) سورة الصافات: ٦١.
(٤) سورة المدثر: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>