قال ابن مالك:(ويجوز نحو في داره زيد إجماعا، وكذا في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند عند الأخفش).
قال ناظر الجيش: قد علمت أن المبتدأ والخبر بالنسبة إلى تقديم أحدهما على الآخر وتأخيره عنه ثلاثة أقسام.
وقد ذكر القسم الذي يجب فيه تقديم المبتدأ، وسنذكر القسم الذي يجب فيه تقديم الخبر، ولا شك أنه إذا أتى على القسمين وجب الاكتفاء بهما عند ذكر الثالث وهو قسم الجواز، فمن ثم لم يحتج إلى ذكره. لكن لما كان في بعض الصور منه خلاف، وهو ما إذا اشتمل على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ لا إلى المبتدأ نفسه أراد أن ينبه على ذلك، وأنا أورد الكلام فيه عقب القسم الأول؛ لأن من لا يجيز التقديم في مثل: في داره قيام زيد تكون هذه الصورة عنده واجب فيها تقديم المبتدأ فينظمها مع الصور التي يجب فيها تقديم المبتدأ، فكأن المخالف يقول: ولا
تلتحق بالصور التي ذكرت أنها يجب فيها التقديم المذكور بالصورة الفلانية، بل تكون من صور القسم الجائز فيها التقديم والتأخير.
إذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف إنما ذكر مسألة في داره زيد توطئة للمسألة التي فيها الخلاف من حيث أن الثانية فرع الأولى فكأنها مبنية عليها، ولم يذكرها لأنها مقصودة في نفسها [١/ ٣٣٨]. وحاصل الأمر أن الخبر إذا اشتمل على ضمير عائد على المبتدأ نحو: في داره زيد جازت المسألة بلا خلاف؛ إذ ليس في ذلك إلا تقديم خبر مشتمل على ضمير عائد على مبتدأ متأخر، ولا بأس بذلك لأنه مقدم رتبة فأجمع على جوازه كما أجمع على جواز، ضرب غلامه زيد في داره.
فإن كان الخبر مشتملا على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ نحو: في داره قيام زيد جازت المسألة أيضا على الأصح، وسواء في ذلك ما كان صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه نحو المثال المذكور، وما لا يصلح لذلك نحو: في دارها عبد هند، هذا مذهب البصريين. والكوفيون لا يجيزون ذلك، ولكن المصنف نسب القول بجواز هذه المسألة إلى الأخفش خاصة.
قال: وبقوله أقول؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه كشيء واحد؛ فإذا كان المضاف مقدر التّقديم بوجه ما كان المضاف إليه مقدّرا معه؛ إلا أنّ تقديم ضمير ما يصلح أن يقام مقام المضاف أسهل، ومنه قول العرب: في أكفانه درج الميّت، وقول الشاعر: -