قال ابن مالك:(فإن لم يلق الفعل بتالي الواو جاز النصب على المعيّة وعلى إضمار الفعل اللّائق إن حسن «مع» موضع الواو وإلّا تعين الإضمار).
ــ
على تقرير أقسام مسائل هذا الباب، وإذا تأملت ما أتى به المصنف من نظم مسائله وتقرير أحكامها والإشارة إلى القيود الراجعة إلى قسم قسم، منها المدلول عليها من كلامه بالمنطوق والمفهوم من حسن الترتيب والتنقيح والتهذيب، علمت أنه قد رزق من التوفيق النصيب الأكمل وأن رتبته دونها رتبة السماك الأعزل، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الحاجب تقسيما فيه اختصار ولطافة بأن قال بعد ذكره حد المفعول معه: الذي قدمنا ذكره عنه المشتمل على أن المصاحب معمول فعل لفظا أو معنى، فإن كان العامل لفظيّا وجاز العطف فالوجهان، مثل: جئت أنا وزيدا، وإن لم يجز العطف تعيّن النصب مثل: جئت وزيدا، وإن كان العامل معنويّا وجاز العطف تعين مثل: ما لزيد وعمرو، وإلا تعين النصب مثل: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا؛ لأن المعنى: ما تصنع؟ (١). انتهى.
وهذا الذي ذكره أقرب إلى ضبط مسائل الباب من كلام أكثر المصنفين، وما ذكره هو أصل قواعد الباب، والفروع الزائدة ممكن بناؤها عليه، فرحمه الله تعالى وجزاه الجنة بمنّه وكرمه.
قال ناظر الجيش: اعلم أن المصنف لما ذكر المسائل التي يجوز فيها العطف راجحا تارة ومرجوحا أخرى، ودخل في عموم الصور ما إذا ذكر بعد الواو منصوب، وكان ثم منصوب فعل مذكور قبلها، وكان مثل هذا لا يجوز فيه العطف إلا بشرط أن يكون الفعل صالحا للعمل فيما بعد الواو - نبّه على اشتراط ذلك بقوله:(فإن لم يلق الفعل بتالي الواو) إلى آخره، ودلّ هذا الكلام بمنطوقه على أن النصب إذا لم يكن الفعل لائقا إما على المعية أو على إضمار الفعل أو على الإضمار خاصة، وبمفهومه [٢/ ٥٠٩] على أن النصب على العطف في هذه الصورة غير جائز وكأنه -
(١) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص ٤٩٧ - ٤٩٩) تحقيق د/ جمال مخيمر (طبعة نزار الباز).