[الفصل الثامن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية]
* معروف بين النحاة والمتخصصين أن مصادر الاستشهاد في لغتنا هي القرآن الكريم، والقراءات القرآنية، والحديث الشريف، والشعر، وأمثال العرب، وأقوالهم. وقد أكثر المتقدمون في الاستشهاد بها في مؤلفاتهم واقتصر آخرون على بعضها. حتى جاء المتأخرون وفسّروا هذا بما يرضي ميولهم. فمثلا في الاستشهاد بالحديث قال بعضهم: لا يجوز الاستشهاد به؛ لأنه قد روي بالمعنى، كما قالوا: إن بعض الشعر لا يجوز الاستشهاد به؛ لأن قائله من طبقة أو عصر لا يجوز الاحتجاج به. أمّا ناظر الجيش وموقفه من هذه القضايا فقد كان موفقا أيما توفيق فيما ذهب إليه.
[أولا: القرآن الكريم]
لا مرية بين القوم في أن القرآن الكريم منذ أن وجد - وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - هو قمة الفصاحة وغاية البيان؛ لذا لم تختلف كلمتهم حول صحة أن يحتج بكلمه وآياته من غير فرق بين ما وافق الاستعمال الجاري فيما وصل إلينا من شعر العرب، ومنثورهم، وما جاء على وجه انفرد به.
إن ألفاظ القرآن الكريم - كما قال الراغب في مفرداته - هي لبّ كلام العرب، وزبدته، وواسطته، وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء، وما عداها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة.
وقد وقف بعضهم في قضية الاستشهاد بالقرآن الكريم، وقالوا: إنه يشتمل على ألفاظ غير قياسية. ونحن نعجب من هؤلاء؛ يثبتون اللغة بشعر مجهول ولا يثبتونها بالقرآن العظيم! قال ابن حزم: «ولا عجب أعجب ممّن إن وجد لامرئ القيس، أو لزهير، أو لجرير، أو الحطيئة، أو الطرماح، أو لأعرابي أسدي، أو سلمي، أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب - لفظا في شعر، أو نثر