في مقدمة «تمهيد القواعد» أوضح لنا «ناظر الجيش» أن شيخه أبا حيان تحامل في الرد والمؤخذات تحاملا بيّنا على ابن مالك، وأنه بالغ في ذلك حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة، وخرج شرح أبي حيان - التذييل والتكميل - بسبب هذه الإطالة عن مقصود الشرح، فتفتحت فيه - كما رأى الناظر - الثغرات، وصار في حاجة إلى تقويم.
ونظرة فاحصة متأنية في أبواب التحقيق تقرر لنا ذلك، أو تؤكده، وتضيف شيئا آخر: هو أن ناظر الجيش لم تكن كل غايته تخطئة أبي حيان، ولكنه كان ينقده نقدا موضوعيّا: يؤيده حين يراه على صواب، ويرفض رأيه حين يجده قد خالف القوم، أو انحرف عنهم. ولا نعدم في كثير من الأحيان تعليلات ناظر الجيش لذلك.
وسيأتي قريبا موقفهما من الاستشهاد بالحديث الشريف. فأبو حيان قد ردّ استشهادات ابن مالك، وتعنف في الرد،
والقول، فجاء الناظر، ودافع باعتدال عن ابن مالك مبينا ما في ذلك من آراء، وتوجيهات، ووقف مع ابن مالك موقف المطمئن. وفي أبواب الكتاب والشرح كله كثير من المسائل والقضايا التي ناقش الناظر فيها شيخه أبا حيان، ووقف منه مواقف مختلفة إما مادحا وإما قادحا.
وهذه بعض منها: فمن المدح قوله: والذي ذكره الشيخ في الآية الشريفة ظاهر، وقوله: وهذا التعليل الذي ذكره الشيخ أحسن من تعليل المصنف، وقوله: وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك ولا حاجة إلى إيرادها؛ لأن هذا كما قال الشيخ لا يحتاج إلى مثال؛ لأن دواوين العرب ملأى منه.
وقوله: ما ذكره الشيخ حق لا شبهة فيه. وقد كنت أيام الاشتغال وقفت على كلام المصنف رحمه الله في شرح الكافية فرأيته ذكر هذه المسألة كما ذكرها هنا واستشهد بالبيت المذكور؛ فحصل في خاطري أن القسم وجوابه هو جواب الشرط وأنه لا حذف أصلا وجزمت بذلك؛ لكن لما رأيت الشيخ ذكره في شرحه اقتصرت على نسبته إليه.