لأن يجعل خبرا لما نسب إليه الحكم صحّ أن يجعل له، وصحّ أن يجعل لمتعلق له نحو:«حسن زيد أبا» فإنّ (أبا) صالح لأن يكون خبرا عن زيد فجاز أن يراد به نفس زيد، فيكون الممدوح بحسن الأبوّة زيدا باعتبار أبوّته لغيره، وجاز أن يراد أبو زيد فتكون الأبوّة الممدوحة هي المتعلقة بزيد. وإن كان الاسم غير صالح لما ذكر لم يكن إلّا للمتعلق خاصة، وذلك نحو:«حسن زيد دارا».
وقد يتوجه ها هنا سؤال: وهو أن يقال: قد تقرر أنّ مميز الجملة يقدّر في الأصل مضافا إلى الاسم الذي قبله، فإذا قلت:«كرم زيد أبا» وكان المراد نفسه، أي:
أنّه هو الأب، فما وجه صحة الإضافة فيه؟
والذي يظهر في الجواب: أن تمنع هذه الدعوى من أصلها، فيقال: لا نسلم أنّ مميز الجملة على الإطلاق يقدّر مضافا إلى الاسم الأول، وإنما يلزم ذلك في المميز المنقول، وأما غير المنقول فليس فيه التقدير المذكور، ومن ثمّ يعلم أنّ مميّز الجملة ليس محصورا في المنقول، بل الأكثر فيه كونه منقولا، وقد يكون غير منقول كما تقدّم، ومما يوضح ذلك أنّ الأب في قولنا:«كرم زيد أبا» إذا كان هو زيدا جاز دخول (من) عليه، فيقال:«كرم زيد من أب» بخلاف إذا كان المراد بالتمييز المذكور أبا زيد، فإنه لا يجوز دخولها عليه؛ لأنّه منقول، والمنقول لا يجوز ذلك فيه.
وقد أشار المصنف إلى جواز دخول (من) على مثل هذا التمييز في المسألة التي ذكرها متفرعة عمّا تقدّم، وذلك قوله: وإن دلّ التّالي على هيئة وعني به الأوّل جاز كونه حالا والأجود استعمال «من» معه عند قصد التّمييز والمراد بهذا الكلام أنك إذا قلت: «كرم زيد ضيفا» وقصدت أنّ زيدا ضيف كريم، جاز لك أن تجعل (ضيفا) حالا لدلالته على هيئة، وجاز أن تجعله تمييزا لصلاحيته لأن يقرن بـ (من) وأنّ الأجود عند قصد التمييز، أن يجاء بـ (من) رفعا لتوهم الحالية.
وإن لم يعن به الأول بل أريد كرم ضيف زيد، لم يجز نصبه على الحال، بل يتعين كونه تمييزا، ولا يجوز دخول (من) عليه؛ لأنه فاعل في الأصل.