للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لزيد؛ يريد: أن المال ثبت عليه كما يثبت الشيء على المكان، وقد يعرض فيها إشكال في بعض المواضع التي تتصرف فيها، فيظن أنها قد فارقت معنى الاستعلاء وليس كذلك. فمن تلك المواضع قولهم: زرت زيدا على مرضي، وأعطيته على أنه شتمني؛ والوجه في ذلك أن المرض من شأنه أن يمنع المريض أن يزور، والشتم من شأنه أن يمنع المشتوم من أن يعطي شاتمه شيئا، فلما لم يمنعه المرض من الزيارة ولا الشتم من الإعطاء صارا

ممنوعين مما عهد فيهما [٤/ ١١] والممنوع من الشيء مقهور، والقهر علو في المعنى بدليل قولك: فلان يحب قهر فلان، فساغ دخول «على» عليهما على جهة المجاز والتشبيه للشيء المعقول بالشيء (المحس) (١). ومن هذا القبيل قول قيس الرقيات (٢):

٢٥٥٠ - ألا طرقت من آل بثنة طارقه ... على أنّها معشوقة الدّلّ عاشقه (٣)

فـ «عاشقة» منوي بها التقديم؛ لأنه صفة لـ «طارقة» والتقدير: ألا طرقت من آل بثنة طارقة عاشقة على أنها معشوقة الدل. ووجه الشبه بين هذا والذي قبله أن المعشوق من شأنه أن يعرض عن عاشقه ويهجره كما أن المرض من شأنه أن يمنع المريض من أن يزور. ومنها أيضا قولهم: فلان على البصرة؛ لأنه إذا أمّر عليها فقد صارت تحت حكمه وقهره. ومن هذا القبيل قولهم: تعذّر عليه كذا، وصعب عليه، وشقّ عليه؛ لأن جميع ذلك راجع إلى معنى امتنع، والمنع قهر، والقهر علو.

ومنه أيضا قولهم: خفي عليه كذا، وأشكل عليه، وكل ما كان راجعا إلى معنى «خفي»؛ لأنه إذا خفي عليه، الشيء فقد منعه من أن يدركه. ومنها قولهم:

تقوّل عليه ما لم يقل؛ لأنه إذا نسب إليه ما لم يقل فقد حمّله إياه، والمحمول أبدا في الأمور (المحسّة) (٤) من شأنه أن يكون غالبا على حامله. فأدخلت «على» عليه تشبيها للمعقول (بالمحسّ) (٥). ومنها قولهم: اتصل بي هذا على لسان فلان؛ لأن اللسان حامل للكلام؛ قال الله تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ (٦) أي: على لسان رجل منكم. ومنها قولهم: كان -


(١) في الأصل: المحسوس، والصواب ما أثبتناه.
(٢) عبيد الله بن قيس من بني عامر، شاعر قريش في العصر الأموي (ت: ٨٥ هـ) راجع: الأعلام (٤/ ٣٥٢)، والخزانة (٣/ ٢٦٧)، والسمط (١/ ٢٩٤)، والشعر والشعراء (١/ ٥٣٩).
(٣) من الطويل، والدل. جرأة المرأة في التكسّر والتثنّي والتغنّج. والبيت في التذييل (٤/ ٢٥).
(٤) في الأصل: المحسوس.
(٥) في الأصل: بالمحسوس.
(٦) سورة الأعراف: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>