للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يثبت في كلامهم تلقي القسم بـ «لم». وقد ثبت من كلامهم بناء ما بعد القسم على «إن» وإلغاء القسم، وكذلك أيضا بيت الأعشى. والبيت الآخر الذي استدل به على تلقي القسم بـ «لن» لا حجة له فيهما؛ لأن قول العرب: أجدّك لم تفعل كذا ولن تفعل كذا، لا يراد به القسم وإنما هو عند سيبويه من باب ما ينتصب من المصادر توكيدا لما قبله نحو قولك: هذا عبد الله (١) حقّا، قال سيبويه في هذا الباب: ومثل ذلك في الاستفهام: أجدك لا تفعل كذا؟ كأنه قال: أحقّا لا تفعل (٢) كذا؟ قال: وأصله من الجد كأنه قال: أجدّا، ولكنه لا يتصرف ولا يفارق الإضافة كما كان ذلك في «لبيك» ومعاذ الله.

وإنما جعله في هذا الباب وإن كان «أجدك» ليس قبله كلام يؤكد؛ لأن الكلام الذي بعده النية به أن يكون مقدما عليه من جهة أن المصدر في هذا الباب منصوب بفعل مضمر يدل عليه الجملة التي المصدر توكيد لها؛ وذلك أن الفعل «أحق» أو ما جرى مجراه، وذلك أنك إذا قلت: هذا عبد الله؛ فالظاهر أن يكون هذا الكلام قد جرى على (تيقن) (٣) منك وتحقيق قول الكلام بظاهره على «أحق» أو ما هو في معناه، فلما كانت الجملة دالة على الفعل المضمر الناصب للمصدر كان الوجه فيها أن تكون متقدمة على المصدر؛ لأن الدليل بابه أن يكون متقدما على المدلول، ولذلك قالت العرب: هذا عبد الله حقّا ولم تقل: حقّا هذا عبد الله؛ إلا على كراهية، والنية بالمصدر إذ ذاك التأخير لما ذكرناه.

وإنما التزم في «أجدك لا تفعل كذا» تقديم المصدر؛ لأنه خالف المصادر المؤكدة لما قبلها في التزامهم فيه الإضافة، والتغيير كثيرا ما يأنس بالتغيير فلم يتصرفوا فيه لذلك، بل ألزموه طريقة واحدة؛ فجعلوه مجاورا لهمزة الاستفهام مقدما على ما يؤكده وصار التقديم الذي كان ضعيفا في غيره لا يجوز غيره فيه. هذا كلام ابن عصفور.

وأنت تعرف أن الشيخ رحمه الله تعالى مستمسك بكلامه تابع طريقته؛ لأنه - أعني ابن عصفور - إنما يمشي في

المسائل غالبا على ما يذهب إليه الجمهور. فمن ثم قال الشيخ عند شرح قول المصنف: وفي النفي بـ «ما» أو «لا»، أو «إن»: أما الجملة الاسمية فتنفى بـ «ما» ولا تنفى بـ «لا» والنظر يقتضي أن تنفى بـ «إن» -


(١) الكتاب (١/ ٣٧٨).
(٢) الكتاب (١/ ٣٧٩).
(٣) في الأصل: تقنن.

<<  <  ج: ص:  >  >>