وأما الثالثة: فقوله: إن المصنف ليس له سلف في ذلك سوى ابن جني؛ فإن هذا الكلام مشعر بأن المصنف إنما قال ذلك تبعا لابن جني.
وأقول: لو كان ابن جني هو متبوع للمصنف في ذلك لاستشهد بما استشهد ابن جني به، والمصنف لم يلم بشيء من ذلك إنما استشهد بما عرفته. وأما تخريجه «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فلا يخفى ضعفه، وبيان ذلك أن الناطق بهذا الكلام قصد بإجابته المسائل [شيئين]: الإخبار بأن له بنين، ثم الإخبار بمدح البنين المخبر بهم أنهم له [٤/ ٥٣] وأجلّ الأمرين عنده الإخبار بمدحهم، والأمر الجليل هو الذي يقصد توكيده، والقسم إنما يجاء به لتوكيد الأمر المخبر به وتقويته عند المخاطب، فوجب أن يكون المؤكد هو الإخبار بالمدح، وأما أن يقسم على أن له بنين فلا فائدة في ذلك؛ لأنه لم ينازع فيه ولا نفي عنه حتى يحتاج إلى الإقسام عليه، بل الذي يمكن أن ينازع فيه إنما هو قوله:«ولم تقم عن مثلهم منجبة»؛ فهو الذي يحتاج إلى أن يقسم عليه.
وهب أن الشيخ يتم له الجواب الذي ذكره في «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فماذا يقول في قول أبي طالب:
٢٨٠٧ - والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتّى أوارى في التّراب دفينا (١)
وأبو طالب في الفصاحة والبلاغة أبو طالب؟!
ثم أيّ فساد يترتب على نفي القسم بـ «لن» أو بـ «لم» حتى يمنع ذلك ويردّ على من ادعاه؟! ولا وجه من حيث الصناعة لمنعه؛ لأن الخبر المنفي المقسم عليه قد يكون مستقبلا فينفى بـ «لن» وقد يكون ماضيا فينفى بـ «لم». وغاية الأمر أن الغالب في لسان العرب أن ينفى الجواب - أعني جواب القسم - بثلاثة الأحرف التي هي «ما» و «لا» و «إن»، وأنه قد ينفى بـ «لن» و «لم» لكن ذلك قليل ولا منازعة في وروده فوجب القبول.
ثم قد عرفت أن ابن عصفور ذكر أن الحرف الذي ينفى به الماضي في جواب -