فنصب راكبا لأنه صفة لمحذوف، وليست جملة الشرط والجزاء صفة لأنها [٤/ ١٨٥] لا تحتمل الصدق والكذب لتضمنها الأمر. وحاصل الأمر أن الذي يشترطه الكوفيون في نداء النكرة غير المقصودة أن تكون موصوفة فقط؛ لأنها إذا كانت صفة خلفا عن موصوف كان المنادي في الحقيقة إنما هو الموصوف والصفة نائبة عنه وحينئذ يكون المنادى نكرة موصوفة. وعلى هذا لا حاجة إلى أن يجعل قولهم أو صفة في الأصل قسيما لقولهم: نكرة موصوفة؛ إذ ليس إلا قسم واحد.
ولا يجوز عند الكوفيين أن يقال: يا رجلا، ويقولون: إنه لم يسمع شيء من ذلك عن العرب، وإنما لم يجيزوا ذلك لأن انتصاب المنادى من قولنا: يا رجلا ذاهبا عندهم إنما هو لطوله بالصفة وانتصاب ذاهب من يا ذاهبا بسبب أن الأصل فيه يا رجلا ذاهبا فإذا لم توصف النكرة انتفى الطول الموجب للنصب.
وقد ردّ مذهبهم بأن الوصف لو كان يؤثر الطول في المنادى فينصب لكان يجب نصب زيد من قولنا: يا زيد الطويل، ولا قائل بذلك.
قال ابن عصفور:«فإن قيل: الطول بالوصف لا يوجب النصب إلّا إذا كان الوصف لازما والوصف لا يلزم في يا زيد الطويل ويلزم النكرة غير المقبل عليها.
فالجواب: أن الطول بالوصف وإن كان لازما لا يوجب النصب بدليل: يا أيها الرجل، وإذا بطل أن الطول بالوصف لازما كان أو غير لازم غير موجب النصب كان موجب النصب إنما هو التنكير، وإذا كان موجب النصب التنكير لم يمنع مانع من جواز مجيء النكرة غير المقبل عليها، وإن كانت غير موصوفة، وما يقبله القياس لا يقدح فيه عدم السماع».
وقد ادعى ابن الطراوة أن «دارا» من قوله: أدارا بحزوى، «وتيسا» من قوله:
لعلّك يا تيسا نزا معرفتان. قال: وإلا فكيف يقول: هجت للعين عبرة لدار لا يعرفها، وكيف يقول: لعلّك معذّب ليلى لمن يكون مجهولا عنده. وخرّج البيتين على أن ثم موصولا محذوفا هو الوصف، والمجرور والجملة صلتان. التقدير أدارا التي بحزوى، ويا تيسا الذي نزا وكذا التقدير عنده في: ألا يا نخلة من ذات عرق أي التي من ذات عرق (١). قال: والدليل على جواز حذف الموصول وإبقاء صلته -
(١) انظر ادعاء ابن الطراوة هذا في الارتشاف (٣/ ١٢١).