إحداهما: أن الاسم يخبر به ويخبر عنه، والفعل يخبر به لا عنه، وما أخبر به وعنه كان أصلا، لأنه يستقل كلاما، فلو لم تكن أفعالا لاستقلت الأسماء بالدلالة فهو مستغن والفعل غير مستغن فهو فرع.
الثانية: أن الفعل مشتق من الاسم، والمشتق فرع المشتق منه، وإنما بنيت هذه الجهة على رأي البصريين (١)، وههنا إيراد وهو أن يقال: شبه الاسم الحرف مخرج له عن أصله وهو الإعراب إلى البناء ولم تعتبر فيه إلا جهة واحدة، وشبهة الفعل لا يخرجه عن أصله واعتبر فيه جهتان!!
ويجاب عنه بأن الاسم بعيد من الحرف فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته فلا جرم اكتفى به بوجه واحد، والأولى أن يقال في الجواب: شبه الاسم الحرف إنما هو في شيء هو للحرف، يعني أن المعنى الذي في الحرف هو بعينه موجود في ذلك الاسم فجهة الشبه قوية، فاكتفى فيها بوجه واحد، وأما شبه الاسم الفعل فإنما هو في مطلق الفرعية وليست الفرعية في الفعل هي بعينها الموجودة في الاسم فجهة الشبه بينهما ضعيفة فلا يقتصر فيها على جهة واحدة.
منها: أنه ليس كل شبه بين شيئين يوجب حكما لأحدهما هو في الأصل للآخر بل الشبه إذا قوي أوجب الحكم وإذا ضعف لم يوجبه، وكلما كان الشبه أحصر فهو أقوى وإذا كان أعم فهو أضعف، فالشبه الذي من الاسم والفعل من جهة الدلالة على معنى لا يوجب حكما؛ لأنه عام في كل اسم وفعل، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع سببين؛ لأن هذا يخص نوعا من الأسماء فهو خاص مقرب للاسم من الفعل.
ومنها أن يقال: لم اختصت هذه العلل بأنها توجب الفرعية دون غيرها مما هو موجود في الأسماء ليس بأصل كالعمل مثلا، فإن كون الاسم عاملا فرع على العمل، فكان ينبغي على هذا إذا انضم إلى الاسم العامل سبب آخر أن يمتنع من الصرف.
والجواب عنه أن يقال: لم تعتبر إلا معان يصير الاسم بها فرعا عن غيره لا معان اشترك فيها الأصل والفرع، ألا ترى أن العجمة إنما اعتبرت لأن الاسم إذا قامت به العجمة صار أعجميّا فيكون فرعا على العربية، فالذي اعتبر إنما هي معاني فروع -
(١) انظر. تفصيل هذه المسألة في الإنصاف (ص ٢٣٥) (مسألة رقم ٢٨).