وأقول: ليس التضمين المشار إليه هنا هو التضمين الذي ذكره الشيخ وهو التضمين المعروف في الاصطلاح؛ لأن مراد القائل بأن «زرني» من نحو: زرني أزرك تضمّن معنى الشرط: أنّ «زرني» هذه من حيث إن المتكلم يقصد ترتب الثاني على الأول ويجعل الأول سببا للثاني يعطي من المعنى ما يعطيه «إن تزرني» من: إن تزرني أزرك؛ لأن الثاني مرتب على الأول والأول سبب للثاني، فلما كان معنى: زرني أزرك معنى: إن تزرني أزرك قيل: إنه تضمن معنى «إن» أي: تضمن معنى الشرط، فليس هذا التضمين من التضمين المعروف في شيء، كيف وذلك التضمين إنما يكون بالوضع؟ - أعني وضع أصحاب اللسان - وهو أن توضع كلمة لشيء وتضمن مع دلالتها على ذلك الذي وضعت [له] معنى آخر.
وأما هذا التضمين فالموجب للقول به الاستعمال في موضع خاص، فـ «زر» بالوضع لا دلالة له على الشرط، ولما قيل: زرني أزرك، وأتي بهذا التركيب الخاص احتيج إلى القول بأنه ضمّن معنى الشرط بمعنى أنه أوقع موقعه، وأريد به ما يراد بالشرط، هذا هو الذي يظهر لي والله تعالى أعلم بما هو الحق.
والدليل على أن المصنف لم يرد التضمين الذي ذكره الشيخ قوله في التسهيل مشيرا إلى الجواب يجزم بما قبلها؛ فلم يذكر التضمين بل قال: لما فيه من معنى الشّرط، ولا شك أن هذا منه يحقق ما قررته.
وأما قول ابن عصفور: التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ولا يوجد ذلك [٥/ ١٢٧] في موضع؛ فقد يقال في جوابه: إن الممتنع إنما هو أن تكون الجملة بنفسها هي العاملة دون النظر إلى شيء آخر، أما إذا كان عملها بما تضمنته فغير ممتنع؛ لأن العمل حينئذ كأنه في الحقيقة منسوب لذلك المتضمن، ولما كانت الجملة هي التي تضمنته نسب العمل إليها.
ثم إن الشيخ ذكر (١) أن في المسألة مذهبا ثالثا: وهو: أن الجزم بهذه الأشياء لا على جهة التضمين، بل على جهة أنها نابت مناب الشّرط، قال: ونعني به أن جملة الشرط حذفت وأنيبت هذه منابها في العمل.
والذي يظهر أن هذا ليس مذهبا ثالثا في المسألة: وإنما هو بيان مسوغ جزم الجواب -