للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فتحطم ظهره، وعليه قراءة ابن عامر: فإنما يقول له كن فيكون (١).

وقد عرفت أن بدر الدين خرّج قولهم: إنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره، على أنه من النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والذي قاله حق، وأنه قال بعد أن ذكر قراءة ابن عامر: وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر. وهذا من بدر الدين رحمه الله تعالى ليس إنكارا لقراءة ابن عامر إذ لا يمكن إنكارها، وإنما هو إنكار أن يكون مقتضى النصب هو الحصر بـ «إنما» فإن ذلك لم يكن مجمعا عليه، إذ ذكر النحاة للنصب مسوغا غير ذلك، فمنهم من قال: إنه جاء على النصب في الواجب، ونسب ذلك إلى الشلوبين (٢)، وردّ هذا القول بأن النصب في الواجب إنما بابه الشعر (٣). وقراءة ابن عامر ثابتة بالتواتر، ومنهم من قال (٤): إن مسوغ النصب وقوع الفعل جوابا للأمر، وردّ (٥) ذلك أيضا بأن كُنْ هنا ليس أمرا على الحقيقة؛ لأن المعدوم لا يصح خطابه، إنما جرى ذلك على معنى سرعة التكوين كأنه قال تعالى: إنما شأننا مع المقدورات أن تتعلق قدرتنا بها فتكون بغير تأخير، ولا لفظ هناك ولا نطق، فعبّر بالقول عن التعلق.

والحاصل: أن القول في الآية الشريفة كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده، إذ المعدوم لا يؤمر، وخرّج الشيخ (٦) ذلك على أن يكون من المنصوب بعد الفاء بعد جواب الشرط؛ لأنه تقدّمه: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فـ «إذا قضى» شرط، و «فإنما» جوابه وصار نظير قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ في قراءة من نصب (٧).

وقد يقال للشيخ: المسوغ للنصب بعد «الفاء» إثر الجزاء كون مضمونه لم يتحقق وقوعه كما تقدم، حتى يشبه الواقع بعد الجزاء الواقع بعد الاستفهام، -


(١) سورة البقرة: ١١٧، وسورة آل عمران: ٤٧، وسورة مريم: ٣٥، وسورة غافر: ٦٨.
(٢) انظر: التذييل (٦/ ٦٠٩).
(٣) الراد هو الشيخ أبو حيان. انظر: المرجع السابق.
(٤) انظر: التذييل (٦/ ٦٠٨).
(٥) هذا كلام الشيخ أبي حيان. انظر: التذييل (٦/ ٦٠٩).
(٦) انظر: التذييل (٦/ ٦٠٩).
(٧) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر الإتحاف (ص ١٦٧)، والبحر المحيط (٢/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>