للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المعروف في المفسرة، فقوله تعالى: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ (١) هو المفسر لقوله تعالى:

فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ (٢)، وأما قوله في قوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا (٣):

إن التقدير: ثم نهضوا وانطلقوا من مجالسهم يومئون أي: يقول بعضهم لبعض:

امشو - فلم أفهمه، والذي قاله العلماء في هذه الآية الشريفة: إن الانطلاق ليس المراد به المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أن المشي ليس المراد به المشي المتعارف، بل المراد به الاستمرار على الشيء (٤)، فقد وقعت «أن» المفسرة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه.

وأما قوله تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (٥) فقال الزمخشري (٦): يجوز أن تكون «أن» مفسرة للقول على تأويله بالأمر أي:

ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله، واستحسنه بعض العلماء قال (٧): ولا يجوز أن تكون أَنِ في الآية الشريفة مفسرة لـ أَمَرْتَنِي لأنه لا يصلح أن يكون: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (٨)، مقولا لله تعالى؛ فلا يصح أن يكون تفسيرا لأمره لأن المفسّر عين مفسّره. انتهى.

ولا يظهر لي منع ذلك، لأنا بعد تسليم ما قاله نقول: لا يمتنع أن يكون رَبِّي وَرَبَّكُمْ من مقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم فالله تعالى أمره أن يقول لهم: اعبدوا الله، فلما قال لهم ذلك مريدا لحصول عبادة الله تعالى منهم قوى ذلك

عندهم بالاعتراف بربوبية الله تعالى حملا لهم على العبادة؛ لأن المربوب يتعين عليه عبادة ربه، فكان اعْبُدُوا اللَّهَ هو الذي أمره الله تعالى أن يقوله، ورَبِّي وَرَبَّكُمْ قاله من عند نفسه حرصا منه صلّى الله عليه وسلم على أن يمتثلوا ما أمرهم به من العبادة، لا يقال: القصر يقتضي أنه ما قال إلا ما أمره الله تعالى أن يقوله، ولم يكن رَبِّي وَرَبَّكُمْ فيما أمر به، لأنا نقول: لو كان القصر في الآية الشريفة قصر إفراد لوجب ذلك، ولكن القصر فيها إنما هو قصر قلب؛ لأن قوله تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ (٩) فيه أن المبعوث إليهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم -


(١) و (٢) سورة المؤمنون: ٢٧.
(٣) سورة ص: ٦.
(٤) انظر: المغني (ص ٣٢).
(٥) سورة المائدة: ١١٧.
(٦) انظر: الكشاف (١/ ٥٤١، ٥٤٢)، والمغني (ص ٣٢).
(٧) انظر: المغني (ص ٣٢).
(٨) سورة المائدة: ١١٧.
(٩) سورة المائدة: ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>