للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما قوله - أعني الشيخ -: «إن الفاضل من يحل كتابا أو كتابين في الفن المنسوب إليه مع مزاولته لذلك الكتاب» فهذا الكلام منه دليل على أن المصنف لم يحل كتابا في هذا الفن على أحد، وكفى بهذا الكلام من قائله قبحا، ويزيد هذا القبح قبحا إنشاده لنفسه - عقب ذلك - الأبيات التي أولها:

يظنّ الغمر أنّ الكتب تجدي ... أخا فهم لإدراك العلوم

وقوله فيها:

إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصّراط المستقيم

لأن هذا إنما يقال لإنسان جاهل لا قرأ ولا درى ولا اقتبس من أحد شيئا فيأخذ كتابا وينظر فيه ظانّا أنه يدرك معانيه بنظرة من غير توقيف من مرشد، ولا يقال هذا لواحد من الطلبة المتميّزين فضلا أن يقال في معرض التعريض بإمام يشهد له بالفضل أهل المشرق والمغرب من أهل فنه، وقد كان هو - أعني الشيخ - رحمه الله تعالى يقول:

«من عرف ما في هذا الكتاب - يعني التسهيل - لا يكون تحت السماء أنحى منه».

ثم لم يقنع الشيخ ما قاله في حق المصنف حتى تعدّاه إلى آخر وهو الذي ذكر أنه من أهل الصعيد الأعلى وأنه تولى قضاء القضاة بديار مصر فقال عنه: إنه لم يقرأ النحو وقرأ منه نزرا يسيرا على مبتدئ في النحو، وهذا الرجل الذي أشار إليه هو الشيخ: تقى الدين الشهير بابن دقيق العيد (١) - رحمه الله تعالى - وهو الرجل الذي يعترف بفضله الحاضر والبادي، والدّاني والقاصي، والصديق والعدو، ولم ينازع في علمه أحد، بل كان في زمن فيه رؤوس العلماء المعتبرين الراسخون في الفنون، والكل خاضعون له، ماثلون بين يديه، يتلقون منه ما يقوله، ومعترفون بأنه أحد أهل وقته، ويدلك على صحة ذلك ما أبرزه من مصنفاته، والناظر إذا وقف على كلامه وتأمله علم أنه فوق ما ذكرنا، وكيف لا يكون كذلك وله استنباطات أحكام من السنة النبوية انفرد بها؟ ولقد استنبط من حديث واحد من الأحاديث التي أوردها في كتابه «الإلمام» أربعمائة وستة وثلاثين حكما، أترى من له هذه القوة والتمكن يقال عنه: إنه لم يقرأ النحو وأنه قرأ منه نزرا يسيرا على مبتدئ؟ -


(١) سبق ترجمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>