التحضيض، والكلام إنما هو في أدوات التحضيض، ولا شك أن التحضيض فيه طلب وحث، وأما العرض فلا طلب فيه، ولا يلزم من كون الأداة واحدة الاتفاق في المعنى، ولذا لم أتحقق ثانيا قوله:«ويجوز أن يغني عنهن حينئذ لو المنقولة إلى التمني، كما في: لو تأتيني فتحدثني وألا المخففة كقولهم: ألا تنزل فتصيب خيرا»، ولا قول والده: فقد يغني عنهنّ لو وألا لأن معنى قوله: «وإذا خلا منه»: أن مصحوب أدوات التحضيض إذا خلا من توبيخ أنّ «لو» و «ألا» قد يغنيان عنه حينئذ، ولا شك أنه إذا لم يكن توبيخ، تعيّن أن يكون ما بعد الأداة مطلوبا، فيلزم أن يكون الكلام فيه دلالة على الطلب، و «لو» التي يستفاد منها التمني، كقولك: لو تأتيني فتحدثني لا تقتضي طلبا من المخاطب، ولم أفهم كون: ألا تنزل فتصيب خيرا، يفهم منه التحضيض، لأن التحضيض فيه طلب، والعرض لا طلب فيه، هذا هو الذي أفهمه، وقد قيل: إن بينهما فرقا وهو أن التحضيض طلب بحثّ وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدّب، وللمنازعة في ذلك مجال، وقد يعرض الإنسان أمرا على آخر مجاملة وتوددا في الظاهر وهو في نفس الأمر غير مجلب له، وليس بين الطلب والعرض ملازمة في الذهن ولا في الخارج.
وأقول: إن كلام المصنف في هذا الموضع غير ناصع من جهتين:
إحداهما: قوله: وقلّ ما يخلو مصحوبها من توبيخ؛ لأن هذا يعطي أن الحكم المذكور لها على الإطلاق وليس كذلك؛ لأن مصحوبها يكون ماضيا، ويكون مضارعا، ولا شك أن التوبيخ إنما يتصور إذا كان الفعل ماضيا، أما إذا كان الفعل مضارعا فلا، والحق أنها إذا صحبت الماضي كانت للتوبيخ، وإذا صحبت المضارع كانت للتحضيض، وكلام بدر الدين مصرح بذلك فإنه قال:«فإذا قلت: هلّا فعلت، فكأنك قلت: ليتك فعلت، متولدا منه معنى التنديم، أو قلت: هلّا تفعل، فكأنك قلت: ليتك تفعل متولدا منه معنى التقاضي والحثّ» نعم، قد يقصد المتكلم بالأداة إذا وليها الفعل الماضي - التحضيض دون توبيخ، فلو قال المصنف:
وقل ما يخلو مصحوبها من توبيخ إذا وليها الماضي، لكان الواجب.
الجهة الثانية: قوله: وإذا خلا منه فقد يغني عنهنّ لو وألا. وقد تقدم الكلام على ذلك بما فيه غنية. -