للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المتكلم، فكان ذكرك إياه كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلا، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات ولم يفعلوا ذلك مع جميع أسماء الاستفهام، إنما يفعلون ذلك مع أيّ وما ومن لا يجوزونه في غيرهن، يقول القائل: أكلت خبزا فتقول: أكلت ما، ويقول: لقيت زيدا فتقول: لقيت من، ويقول: ضربت رجلا فتقول: ضربت أيّا، ولو قال: خرجت يوم الجمعة فاستثبته، لقلت: متى خرجت؟

ولا يقول: خرجت متى؟ وتقول: سرت ضاحكا فتقول له: كيف سرت؟ ولا يجوز:

سرت كيف؟ وكذلك سائر أسماء الاستفهام إلا «أين» فقد حكي في الاستثبات [٥/ ٢٠٩] بها تقدم العامل، حكي من

كلامهم: إنّ أين الماء والعشب، استثباتا لمن قال: إنّ في موضع كذا الماء والعشب، وقد جاء أيضا في «كم» معطوفة على غيرها، تقديم العامل لأنه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، حكي من كلامهم: قبضت عشرين وكم استثباتا لمن قال: قبضت عشرين وكذا» انتهى.

ولم أتحقق قولهم: إن الحركات اللاحقة لـ «أيّ» في هذا الباب تكون حركات إعراب نشأت عن عوامله؛ لأن الأمر إذا كان كذلك فلا حكاية حينئذ، ولا شك أن الحكاية هي المقصودة، ثم كيف يتجه في حركات «أيّ» أن تكون حركات إعراب مع أن حركة الحكاية قسيمة لحركة الإعراب بالنسبة إلى أصل الحركات؟ ثم إن حركة الإعراب يجاء بها لبيان مقتضى العامل، وحركة الحكاية لا يؤتى بها لذلك فبينهما تناف، نعم إذا قيل: إن الحركة إعراب وإن التقدير: أيّ قام، كان ذلك غير ممتنع، لكن تخرج المسألة من باب «الحكاية» ويكون المتكلم بذلك حينئذ قاصدا الاستفهام لا قاصدا لحكاية إعراب اسم في كلام الغير، والقول بأن الكوفيين يجيزون في باب «الحكاية» رفع «أيّ» بفعل مضمر يمكن حمله على ما قلته.

والحق أنه لا يتصور في حركات «أيّ» و «من» في باب «الحكاية» أن تكون حركات إعراب؛ لأن ذلك مؤدّ إلى نقض القواعد وهدم ما تقرر، وقد أمكن حمل كلام من يقول بتقدير عامل على غير قصد الحكاية، وأنه إنما يقصد إذ ذاك الاستفهام خاصة دون حكاية لشيء سبق، ويعضد هذا قول صاحب «الإفصاح» (١): «من النحويين من أجاز ترك الحكاية في باب «أي» وأجاز الاستئناف على الابتداء والخبر». -


(١) هو ابن هشام الخضراوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>