٢ - يعد كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد موسوعة نحوية ضمت آراء المتقدمين والمتأخرين في توسط بين التطويل والتقصير؛ فليس فيه التطويل الممل كما في التذييل والتكميل، ولا التقصير المخل كما في التسهيل وشرحه لابن مالك. وقد بين ذلك ناظر الجيش نفسه في مقدمة هذا الكتاب حينما قال: ولقد خرج الكتاب المذكور - أي التذييل - بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح؛ مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل ولا يظفر ببغيته؛ إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله.
وأما شرح المصنف فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه، ولا يقنعه ما يجده لديه؛ بل تتشوق نفسه إلى زيادات الشرح الكبير، ويرى أنه إذا لم يحط بها علما كان منسوبا إلى التقصير؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلى بين القدحين، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين، وأتوخى الجواب ما يمكن عن مؤخذات الشيخ ومناقشاته بالبحوث الصحيحة والنقود الصريحة، مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب (١).
٣ - يعد هذا الكتاب مرآة صادقة انعكست فيها آراء المذهب البصري بصفة عامة، وآراء الأندلسيين بصفة خاصة.
٤ - ظهرت في هذا الكتاب مقدرة صاحبه الفائقة على إيراد الآراء والموازنة بينها أو الترجيح، واختيار ما يراه صوابا منها، فهو لم يكتف بسرد الآراء؛ بل كان يوازن ويرجح ويختار ويفند.
٥ - لم يبخس ناظر الجيش واحدا من هذين العلمين الكبيرين - ابن مالك وأبي حيان - حقه؛ فقد كان يرد رأي أبي حيان حينما يراه قد جانبه الصواب، ويقف بجانبه ضد ابن مالك حينما يراه مصيبا. وعلى ذلك فإن ناظر الجيش قد جعل من نفسه قاضيا عادلا بين خصمين في ميدان العلم.
(١) انظر ذلك في مقدمة الشارح قريبا بعد قسم الدراسة (الجزء الأول).