منها: أن المنصور أخرج جميع من كان فى السجون فى الإسكندرية ودمياط وغيرهما من الأمراء والمماليك، فلما وصلوا إلى البحر رسم بإخراج المماليك المسجونين بخزانة البنود وخزانة شمائل وسائر السجون، وكان طلوعهم فى يوم واحد، وغلقت المدينة للتفرج عليهم، وكان يوما مشهودا، وعند طلوعهم إلى السلطان فكوا قيودهم، وقبلوا الأرض، ولبسوا التشاريف، وكان فيهم مثل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير سيف الدين برلغى، والأمير سيف الدين الدكز، وكانوا خمسة وعشرين أميرا، ونزل كل واحد إلى مستقره، واستقر بالقلعة من كان عادته بها.
قال صاحب النزهة: بلغنى من دوادار السلطان أنهم لما دخلوا عليه وخلع عليهم وخرجوا من بين يديه، نظر إليهم وإلى حسن أشكالهم وإلى المهابة التى فيهم لحقه ندم كثير وصار فى فكر عظيم، وأن دواداره فهم مقصوده. وقال له يا خوند: والله لقد عملت فيهم خيرا وإحسانا. قال: فرفع رأسه إلىّ وقال:
أخطأنا بإخراج هؤلاء جملة، ولو كان بالتدريج لكان أحسن، وما بات أحد منهم تلك الليلة إلا وقد ملأ اصطبله من الخيل والبغال وحملت إليهم الكساوى والأشياء المفتخرة من خشداشيتهم، وبلغ ذلك السلطان فازداد ندما على إخراجهم فطلب مماليكه وعرفهم بذلك، وقال لهم: كيف نعمل ولا يمكن الرجوع من ذلك والندم لا ينفع، فاتفق رأيهم على إخراج بعضهم إلى القلاع، وإخراج الأمراء الذى يخشى من فسأدهم، ثم بعد أيام طلب الأمراء واستشارهم فى أمرهم، وقال لهم: إن هؤلاء كثيرون، وفيهم أمراء، وما ثمت شئ فى هذا