وكان قد جاء كارم كثير من اليمن وتجار فنهب الجميع، وطلب أكابر مكة فصادرهم وأخذ أموالهم، وهرب منه خلق كثير، وطلب المجاورين وأخذ كل ما كان معهم من القوت والمال، وأي مَنْ مَانع قتله، وأرسل من يكشف له الخبر ساعة فساعة، ثم خرج من مكة وسار إلى جبال بني شعبة، وكانت جبالًا حصينة عالية، ما لأحد عليها سبيل.
ولما وصل السلطان إلى خُليص أرسلَ صاحبَ خُليص إلى مكة يقول لحميضة أن يحضر ولا يتأخر، هو ومن معه، فإن حضر فله الأمان ولا يؤاخذ بالذي جرى منه وله العطاء والإنعام، وإلا فالسلطان يضيق عليه ويحصله وهو صاغر ذليل، ويسلخ جلده ويحشيه تبنّا، فسار صاحب خليص حتى وصل مكة وإذا بحميضة قد خرج من مكة، ونهب أموال الناس، وسد الأبيار التي في منى، وأفسد البلد، وجفل الناس، وعاد ولاقى السلطان على بطن مر، فأخبره بما فعل حميضة في مكة.
ورحل السلطان ودخل مكة، وخرج التجار المأخوذون وصرخوا: يا مولانا السلطان أجرنا من هذا الباغي الطاغي الفاجر، فاشتد غضب السلطان عليه، فطلب السلطان أبا الغيث وسأل عنه عن الجبال التي تحصن بها حميضة، فقال: يا خوند، جبال منيعة لا يقدر على السلوك فيها إلا أهلها غير أن أهلها إذا رأوا طول الحصار عليهم أخذوه وأخرجوه من عندهم، فقال السلطان: هذا الوقت أدركنا مناسك الحج وليس لنا فراغ، ولكن اطلبوا لي رجلًا من خيار أهل مكة، فأتوا برجل صالح يُقال له: حماد، فأعطاه السلطان أمانًا وأرسله إلى حميضة في تلك الجبال.
ذكر قضية رُمَيْثه مع الحُجَّاج
قال الراوى: كنت في تلك السنة مع الحجاج، ونحن وقوف بعرفة، وكان قد قل الماء للناس لأن حميضة أفسد آبار مكة ومنى، فراحت الناس يَرِدون الماء من وادي نخلة، وإذا بالصياح وقد علا، فسأل السلطان: ما الخبر؟ فقيل له أن حُميضة قد خرج على الحجاج الذين وردوا الماء في وادي نخلة فقتل منهم جماعة، وأخذ منهم مقدار