للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسمائة جمل، فركب السلطان بعسكره، وركبت الأمراء معه، وسار حتى طلع إلى ظهر الجبل، فترجل الأمير علاء الدين أيدغدى شقير، فقال: يا خوند، أنا أروح وراءه، فأخذ معه مائة فارس وسار على مقدمتهم، وإلى جانبه أبو الغيث بعربان تلك الأرض، فساقوا ودخلوا إلى وادي نخلة في ساعة، وإذا بالمأخوذين ينادون بالويل والثبور، فصاح أيدغدي شقير وقال: إلى أين راح الذي أخذكم، فقالوا: يا خوند، ما راح إلى الآن، لأنه كان معنا جماعة من الروم والتركمان والعجم، فهربوا بجمالهم، وعبروا في شعب من شعاب الجبل، فإن لم تلحقهم أخذوه في هذه الساعة، فلما سمع بذلك أيدغدي ساق حتى أشرف عليهم، وإذا بالعرب قد ترجلت وتستروا بحدايج (١) الجمال خوفًا من النشاب، وحدبوا سيوفهم، وأصحاب الجمال قد أيقنوا بالأخذ، فأشرف عليهم أيدغدي، ولما رآهم العرب ركبوا خيولهم، وكانوا مقدار خمسمائة فارس، وألف راجل، ومقدمهم رُميثة أخو حُميضة، وكان يزعم أنه يلاقي عسكر مصر بالذين معه، وكان أكثر من معه عبيدًا قد تربوا عندهم.

فلما رأوا الترك: تصارخوا وقالوا: دونكم وإياهم، فما هم بشيء وقد ساقهم الله إليكم، وهم يظنونكم عرب بلادهم، فحملوا عليهم، وفي أوائلهم رُميثه وعليه قرقل أصفر وبركستوان أحمر وتحته حصان أخضر، وكان أفرس أهل زمانه، فحمل هو، وهو يقول: يا طناجرة (٢) الترك حل بكم الدمار، أهلكتم العباد، وأفسدتم البلاد، فاليوم نترككم حديثًا للناس.

فعند ذلك هجمت عليهم الترك، وعلى مقدمتهم أيدغدي شقير، وهو على حصان أشقر، وعليه زردية، ولم يقصد رُميثه إلا أيدغدي، فحمل عليه، فلما حمل عليه أطلق أيدغدي نشابه في يده فتلقاها بترس (٣) مكي في يده سبع طبقات من جلود الجمال،


(١) الحداجة - حدائج: مركب من مراكب النساء نحو الهودج والمحفة، ينظر لسان العرب، مادة حدج.
(٢) الطنجير: كناية عن الجبان أو اللئيم، ينظر تاج العروس مادة طنجر.
(٣) التُّرس: بالضم، من السلاح المتوقى بها، تاج العروس، مادة ترس.

<<  <  ج: ص:  >  >>