ولما سمع اسندمر ما قال له كراى أخذ القيد وباسه، ثم حطه في رجله، ثم سمروه في رجله، وطلبوا بغلًا من قلعة حلب، فأتوا به، فأمر كراي بأن يركب، فقال له اسندمر يا أمير، أمهل عَلَىَّ حتى أُعين مَوْجودي وأموالي حتى لا يضيع، فإن أخذه السلطان كان مُعينًا، وإن تَصدَّق عَلَىَّ فأكون قد أحرزت مالي، فأنا أعرف أن الذي قيل في حقى كذبٌ وافتراء، ولا بد أن يتبين كلام الأعداء عند حضوري قدام السلطان، قال كراي: والله ما خَلَّا لك ظُلمَك صديقًا في مصر ولا في الشام، ثم إن كراي طلب نائب القلعة وسَلَّم إليه اسندمر وقال له: اطلع به إلى القلعة واحتفظ به، وإياك والتواني، فأرسل معه عشرة مماليك من مماليكه، فطلعوا به إلى القلعة، ثم أنه طلب عُمَّاله وكُتَّابه، فعَيَّنوا مالَه، وكان شيئًا كثيرًا.
وفي صبيحة الغد استدعى كراي نائب حمص الأمير غرلو العادلى والأمير بنجار، وقال لهما: خُذا اسندمر واذهبا به إلى حمص، استريحا، ثم اركبا وقت العصر، واجعلا طريقكما على بعلبك، ثم خُذَا خيل والى بعلبك واذهبا من وادي التيم على جسر يعقوب عليه السلام، فقالا: سمعًا وطاعة.
ثم إن كراي طلب منكودمر الطباخي، وكتب معه كتابًا إلى السلطان يُعلمه بمسك أسندمر، وسَيَّر معه كتابًا إلى قراسنقر، يقول له: إن الأمير سيف الدين اسندمر واصل إليك ومعه خمسون فارسًا، فجهزه إلى الأبواب العالية سريعًا.
فلما وصل الكتاب إلى قراسنقر وقرأه غاب صوابه، وأظلمت الدنيا في عينيه، وحكى له الطباخي كيف كان مسك اسندمر، وكيف عملوا الحيلة عليه، فجمع قراسنقر مماليكه وتشاوروا، فقال قراسنقر: الآن النوبة علينا بلا خلاف، وقالوا: وعلى ماذا عولت؟ فقال: إذا وصل اسندمر عندي خلصته وأخذته معي، وقد حلف معي جماعة من الأمراء، وطلعت إلى القريتين، فإن وجدت الوقت لنا لاقيت كراي، وإن رأيت الأمر علينا خرجنا على حمية ورحنا إلى خربندا، وجبنا التتر إلى هذه البلاد وأخربناها، وأخذنا منه الملك،