وقولوا لأستاذكم بأن ينزل، فطلعوا وأعلموه، فنزل إليه، فقال له كراي: ما عندك من خبر اسندمر؟ فقال البارحة جمع مماليكه وقال لهم: إذا سمعتم الصراخ في البلد يلبس كل أحد منكم في داره ولا يجئ إلا وهو معول على الموت فأمر كراي بضرب النفير في القلعة، ثم ساقوا وطلبوا دار اسندمر فازدحمت الخيل وزعق النفير في القلعة، وسمعت أمراء حلب، فركبوا وأتوا، وسمعت أيضًا مماليك اسندمر، فلبسوا وأتوا، فكان أول من جاء منهم مملوكه أيدمر الثور، وخلفه عشرون مملوكًا، فلما وصل ورأى الأمراء قد ازدحموا على الباب جذب سيفه وحمل، يريد حفظ الباب، فتقدم فارس فضرب، واجتمع عليه رجال فأرموه من فرسه، وأخذوه مع أصحابه كلهم، ثم أن كل مَنْ جاء من مماليك اسندمر يلقطونه أولًا فأول.
وسمع اسندمر الصياح، فخرج وهو عريان، وسأل الخدام عن ذلك، فقالوا: جاءت الخيل، وهؤلاء الأمراء على الباب، فنظر من طاقة كانت فوق الباب فرأى الأمراء والمشاعل توقد بين أيديهم، فنزل وأخذ مملوكًا معه يسمى قبلاى، وطلب باب السر فوجد عليه الرجال، فطلع السطح وإذا عليه الرجال من القلعة، فعلم عند ذلك أنه مأخوذ، فنزل وقعد، ولم يزل الأمراء على الباب حتى انتشر الضياء، فقال كراي: دقوا الباب، فإن فتحوه وإلا فاكسروه، فدقوه، وجاء الخدام واعلموا اسندمر، فقال لهم: افتحوا الباب، وهو قد خرج ووقف وراء الباب، فلما فتحوا، فكان أول من دخل كراي وهو لابس قرقلا (١) أحمرًا، وخلفه بهادر آص، وخلفهما الأمراء كلهم، وتزاحمت المماليك، فلقاهم اسندمر، وقال لهم: يا أمراء، ما كان حاجة إلى هذا العمل، كنتم أعلمتموني بمجيئكم، وكنت أخرج إليكم كما تحبون، فقال له كراي: ما فعلنا إلا مثل ما وصى به السلطان، ثم قال له كراي: اقعد، فقعد، فأخرج له قيدًا، وقال: مرسوم السلطان أن تحط رجلك في هذا القيد، فقال سمعًا وطاعة لأمر السلطان.
(١) قرقل - قرقلات: نوع من الدروع تتخذ من صفائح الحديد، وتغشى بالديباج الأحمر والأصفر، وقد تكون مبطنة، صبح الأعشى ٢/ ١٤٣، ٤/ ١١.