للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر توجه قراسنقر نائب دمشق إلى نيابة حلب]

قال الراوي: ثم إن قراسنقر خرج من دمشق بمماليكه وحاشيته (١) وألزامه كلهم، ولم يخل له شيئًا في دمشق، قيل: إنه حمل أثقاله على ألف وستمائة جمل. وذكر بعضهم (٢): أن خروجه كان يوم الأحد ثالث المحرم من سنة أحد عشر وسبعمائة، ثم إنه جد السير ليلًا ونهارًا حتى أشرف على حلب، فنزل على نهر قويق، فجمع مماليكه وقال لهم: أعلموا أننا وصلنا إلى حلب، وعليها عساكر مجتمعة، وما يعلم أحد غائلة الناس، وقد رأيتم ما جرى على غيرنا، وفي المثل يقول القائل: العاقل من اتعظ بغيره، وقد رأيتم ما جرى لبيبرس وسلار واسندمر وغيرهم، وكيف بقيت مماليكهم يشحتون في البلاد وهم دائرون، وأنا لا أسلم روحي مثل بقية الأمراء، فقال مماليكه: لك عندنا ما يسر قلبك، وها نحن بين يديك.

فبات تلك الليلة، ولما أصبح طلب ناصر الدين الدوادار وأستادار جركس، وقال لهما: اجتمعا بكراي والكمالى وباقى الأمراء، [وقولًا] (٣): هذا قراسنقر قد جاء، وقد أرسلنا إليكم ويقول لكم: إن كنت أنا نائبًا فاخرجوا من حلب حتى يدخل قراسنقر لأنه صار متدرك البلاد، وإن كان لكم فيه نية أخرى فها هو قد وصل إليكم.

ولما بلَّغ هذان الاثنان الرسالة إلى كراي وبقية الأمراء، قال لهما كراي: ارجعا وقولا له: إنه نائب، ونحن عنده مجردون، فإن كان معه مرسوم السلطان برجوعنا فيعرضه علينا حتى نرحل، وإلا فهو يدخل ويعمل نيابته إلى أن يجئ إلينا مرسوم السلطان بما نعتمد عليه، فرجعا إلى قراسنقر وأخبراه بذلك، فجمع مماليكه وتشاوروا، فاتفق رأيهم على أن يدخلوا فإن جرى منهم شيء يقابلونهم بالحرب.

ولما أصبح الصباح لبسوا كلهم آلات الحرب، وأوصى قراسنقر لمماليكه أن الأمراء إذا أرادوا أن يسلموا عليه لا تمكنوهم إلا واحدًا بعد واحد، ولا تغفلون عنهم، قال:


(١) وحاشيته: بهامش الأصل إمتدادًا للسطر.
(٢) ينظر نهاية الأرب ٣٢/ ١٧٨، البداية والنهاية ١٨/ ١٠٩، السلوك ٢/ ١٠٠، النجوم الزاهرة ٩/ ٢٨.
(٣) وقوا: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>