للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إنه قال لمماليكه: لا يبقى منكم أحد إلا ويبيت عندي في الميدان، وربما يجري لكم مثل ما يجري لمماليك اسندمر، فحول مماليكه حوائجهم إلى الميدان، وسمعت الأمراء بذلك، فقال بيبرس العلائي، وبيدرا العادلى، وجوبان، وفخر الدين إياس المشد، إن راح قراسنقر من بينكم راحت أرواحكم مع السلطان، فركب الجميع من سوق الخيل، وتشاوروا فيما بينهم: فقالوا: ما نمكنه من الخروج حتى يجئ مرسوم السلطان، ومسكوا أبواب الميدان وباب القصر، وجاء مماليك قراسنقر وقالوا له: أنت غافل وهؤلاء الأمراء كلهم دائرون بالقصر من كل جانب، وهم ركاب ملبسون، فصاح عليهم قراسنقر من السطح، وقال: يا أمراء إن كان جاءكم مرسوم السلطان بأنكم تمسكونني، فقالوا: لا، قال: فما لكم هكذا؟ فقالوا: سمعنا بأنك تخرج بمماليكك، فقلنا ما نمكنه حتى يجئ مرسوم السلطان، فقال: ما أقل عقولكم، هل يهرب أحد بغير ذنب عمله؟ فروحوا واستريحوا، فلم يسمعوا منه، ومسكوا يزكا (١) طوال الليل، ولما أصبحوا أقاموا هناك بالنوبة.

وأما قراسنقر فإنه ترك الركوب، وبعد مدة يسيرة وصل مملوكه من مصر ومعه كتاب السلطان إلى قراسنقر يقول: إنما أرسلنا إليك، رُحْ سريعًا إلى حلب لأجل العسكر المجردين لأن اليوم قوم المغل والأجناد ضعاف، وإن كنت تريد أن تروح بطُلْبِك، [فلك] (٢) ذلك، وخذ كل شيء لك في دمشق.

فلما قرأ الكتاب فرح به، وأرسل خلف الأمراء فحضروا، وقرأ الكتاب عليهم، فقالوا: سمعًا وطاعة، ثم نادى قراسنقر في أصحابه: غدًا الرحيل فتجهزوا، وكان عنده خلق كثير من أهل حلب من الفقهاء وغيرهم، وكان قد ولاهم وظائف وأعمالًا، فتجهز الجميع حتى بلغ كراء كل حمل إلى حلب مائة وخمسين درهمًا.


(١) اليزك: طلائع من الجند تقوم بما يلزم من الاستكشاف والحراسة، صبح الأعشى ١٠/ ١١٠.
(٢) ولك: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>