للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكر الذين أسروا من عدة جوبان أنهم لما قصدوا للقتال كان ابن قزمان هذا راكبا حصانا أشهب، وأنه كان يعرف أستاذهم جوبان، فما جعل دأبه إلا هذا، وكان يحمل إلى أن يكاد يقرب منه، فتردّه جماعته، فينعطف، فيأتى من مكان آخر، وعلم جوبان أيضا قصده إياه، قصده فى جماعته ولم يبق بينهما إلا القليل، فرماه سلحدار جوبان بياسج فى خاصرته، فمال عن فرسه، ثم استوى، ثم قصده ثانيا، فقتل فرسه بسهمين متواليين ووقع إلى الأرض، ونهض ابن قزمان قائما، فرماه ذلك السلحدار فى وجهه وفى صدره إلى أن وقع واستشهد. فقال جوبان:

هذا أمير كبير، عرفه بلبسه وفرسه.

وأما الأمير حسام الدين الأستادار فإنه من حين وقع بينه وبين سنقر العلائى قدام الأمراء والسلطان لم يسمع أحد عنه كلاما غير وصيته لولده على بناته ومماليكه، ثم قال: كنت أنتظر هذا اليوم، والله لا عشت بعد هذا اليوم، وقد عشنا سعداء، ونرجو أن نلقى الله ونحن شهداء، ثم إنه من حيث جذب سيفه وتقدم لم يلتفت إلى أحد بوجهه، ولا سمعوا منه غير الله أكبر، فقاتل حتى قتل.

[ذكر رحيل السلطان من دمشق ودخوله القاهرة]

أقام السلطان بدمشق مع العسكر إلى يوم عيد الفطر، وقد ذكرنا أنه قد دخلها فى الخامس من رمضان (١)، وكان عيدا عظيما لما اتفق فيه من نصرة أهل الإسلام واجتماع شملهم بالأمن والطمأنينة، ثم رحل السلطان من دمشق فى الثالث من شوال، فوصل فى ذلك اليوم شمردل الركاب، وأخبر السلطان والعسكر أن القاهرة قد صنعوا فيها زينة عظيمة وقلاعا، والناس فى أرعد عيش وأطيبه.


(١) انظر ما سبق ص ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>