للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساعة التي ركب فيها السلطان من دمشق هي الساعة التي خلع الركن الجاشنكير فيها من المملكة، ثم أنه قال لنا، لما أردنا الانصراف من عنده: لنسافر إلى الأبواب السلطانية، إنني أخشى أن أقيم بالقلعة ريثما تتهيأ لكم الرجعة، وعزمي الخروج منها والتحول عنها وأقيم قريب إطفيح (١) إلى أن تعودا بالجواب وترجعَا إلىّ بالأمان والكتاب، فسرنا ضحى يوم الثلاثاء المذكور على خيل البريد المنصور، قاصدين الاجتماع بمولانا السلطان ومطالعته بما قد كان، ومخاطبته في التماس الأمان (٢).

[ذكر خروج المظفر من مصر وتوجهه إلى إطفيح]

قال بيبرس: وفي عشية الثلاثاء المذكور اضطربت الأمور، وغير الله عليه قلوب الجمهور، فدخل إلى الخزائن السلطانية تلك الليلة واحتمل جميع أموالها، وخرج من القلعة وصحبته مماليكه كافة، وكانت عدتهم تزيد على سبعمائة مملوك، ومعه: الأمير بدر الدين الفتاح، والأمير عز الدين الخطيري، وقجماس، ومماليكهم، ونزل من باب القرافة، وأخذ ما كان في الاصطبلات من الخيول، وشعرت العامة، فتجمعوا وتألبوا وسبوا ورجموا، وكادوا يتعلقون بأتباعه لولا خوفهم من اتباعه، فقيل: إنهم اشتغلوا عنه بدراهم نثرها لهم في الطريق، فاشتغلوا بالتقاطها عن تألبهم عليه وتطرقهم إليه، وسار بمن معه إلى أطفيح، وأصبحت الديار منه مقفرة، والدنيا عنه مدبرة، ولم يستقر بمكان، بل خطر بباله قصد أسوان.

وقال الشاعر:

موكَّل ببقاع الأرض يَذْرَعُها … من خِفة الروع لا من خِفَّة الطرب (٣)


(١) إطفيح: بالكسر في أوله والفاء، بلد بالصعيد الأدنى من أرض مصر على شاطئ النيل، في شرقيه، معجم البلدان.
(٢) ينظر التحفة الملوكية ٢٠٢
(٣) ينظر التحفة الملوكية ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>