الأكباد تتضاعف، وعاينت جماعة من الجند وقع بهم الاختلال فى عقولهم فى ذلك الوقت ووقعوا إلى الأرض، وبقى الأمير سيف الدين سلار فى حفدته ومضافيه، والأمير ركن الدين فى حفدته من البرجية ومضافيه، يترددان بين القلب والميمنة، وكان هؤلاء جمرة الإسلام، وعليهم العمدة فى الأحكام، وكل منهما فى نحو أربعين طبلخاناة.
قال الراوى: وبلغنى من أحد الأمراء أنه سمع بيبرس يقول: أنا عاهدت نفسى الموت، وذلك حين قال له سلار: يا أخى أنت تعلم أن الحديث فينا كثير، وأنا نسبونى إلى التتار لكونى من جنسهم، وأنت نسبوك إلى أنك تبغض الجند، فبالله أوص لأصحابك بالثبات وإلا لا يبقى لنا وجه عند أحد بعد هذا اليوم، وتعاهدوا، ووثق بعضهم بكلام بعض، ثم نشروا السناجق والأعلام الخليفتية والسلطانية، وسيروا النقباء فداروا على الركبدارية والغلمان والجمالة، وجمعوا الجمع، وأوقفوهم صفا واحدا خلف أستاذيهم ليكثر بهم السواد، ونادى منادى: أى جندى خرج من المصاف بغير عذر أو جرح، فدمه حلال، وعدته وفرسه لهم، وكذلك الجمالة والغلمان.
[ذكر ما اعتمد عليه قطلوشاه فى ذلك اليوم]
ولما تناهى ترتيب المسلمين، عاين ذلك قطلوشاه مقدم المغل وهو أعلى الخيل، وهو فى جيش قد سدّ السهل والوعر، ثم شرع فى ترتيب أمره، فقصد أن يرتب مقابل كل موكب موكبا، وجمع الأمراء على ذلك، فلم يجد فى أمرهم فسحة، ووجد ميسرة المسلمين قد انتشرت، وبينهم وبين التتار النهر الكبير هناك فلا يمكن الوصول إليهم، فمشوا إلى آخر النهر إلى أن وصلوا إلى