للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العين، فيبقى خلاصك بعيدًا، فقال له: صدقت، فإش يكون العمل؟ فقال له ابن صبح: قم حتى آخذك وأطلع بك إلى هذا الجبل، فلو اجتمع كل مَنْ في الدنيا ما قدروا عليك، ولا يقدر أحد أن يصل إلينا، فقال له: صدقت، خذوا أهبتكم قبل الصباح.

وكان بلاط حاضرًا في هذا الكلام، فقال: إذا كان الأمر على هذا، فأنا الساعة أركب البريد وآخذ حصانًا من خيلك وأروح على الطريق الجادة، وأي مكان خرج علىّ أحد ركبت الحصان وسقت، فإذا وصلت إلى مصر حرضت عليهم بخروج العساكر، فقال له الأفرم: افعل ما تريد، فقام في الحال وتجهز وخرج، وحَمَّلوا جمال الأفرم، وركب، وكان الأمير بكتمر أمير جندار قد وصل في تلك الليلة من صفد، ونزل في دار الهاروني، فسار إليه الجاولى والطشلاقي، وقالوا له: هذا الأفرم هارب في هذه الساعة، فركب بكتمر بمماليكهـ، ومعه عسكر صفد، وجاءوا على باب القصر، وإذا بالأفرم طالع، فلما رأى بكتمر قال له: ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ فقال له: يا أمير، لا تفعل، فهذا الفعل لا يليق بك، ولا يخوفك أحد من الناصر، فوالله ما عنده أعز منك، وأنت أكبر مماليك أبيه، واعتماده عليك، فقال له: يا سيف الدين، كلكم تعملون عَلَىَّ، وصاح على مماليكهـ، فخرج وخرجوا معه، وكلهم غائصون في الحديد، ومعه ابن صبح وأجناده، وبقي بكتمر والجاولي والطشلاقي واقفين حائرين، وسار الأفرم طالبًا المزة (١).

[ذكر خروج الأفرم من الشام]

ولما سار الأفرم، وصار بين زقاقات المزّة، هرب من منه الطنبغا الخازندار ومعه أربعون مملوكًا، وطلبوا ناحية داريا وساروا إلى الناصر، ولما رأى ذلك أمير عمر، رأس النوبة للسلحدارية، قال للأفرم: الساعة هرب المماليك كلهم، دعني أكون في الأخير أسوقهم، وأي من هرب ضربت رقبته، ثم انقطع خلف المماليك ومعه عشرة من


(١) المزة: قرية كبيرة، وسط بساتين دمشق: معجم البلدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>