علينا لوم، وهم في حكم بلاد التتار، وقد خرجوا من بلاد السلطان.
واتفق الأزركشي معهم على ذلك، ثم قاموا ورحلوا، ولم يبت منهم أحد في تلك الليلة على الرحبة.
[ذكر ما جرى لقراسنقر والأفرم ومن معهما ودخولهم في بلاد التتار]
ثم إن قرا سنقر والأفرم ومن معهما قالوا لمهنا: ما بقى بعد هذا الأمر شيء، وها نحن قد وصلنا إلى بلاد التتار، ولم يبق لنا إلا العبور، وقد صبرنا إلى هذا الوقت، وقلنا عسى الملك الناصر يرجع وينظر في أحوالنا وأحوال المسلمين، فيما فعل شيئًا، فآخر الأمر رَضِينَا منه بالقلاع الخَرَاب في أطراف البلاد بعد مُلْك الشام وحلب، فما رضي بذلك، وكل ما رَقَّ قلبنا قسى قلبه، وما بقى إلا العمل بضد قصده، فقال لهم مهنا: طولوا أرواحكم، فأنا لأجلكم تشَتَّتُ عن بلادي وتركت أخبازي، وطاوعتكم، ودخلت معكم في أي شيء أردتم، فندخل في هذه البراري فنصبح في أرض ونمسي في أرض، وأمراء العرب يُخَربون البلاد ويُحَرِّمون أحدًا يدب على وجه الأرض حتى يرجع الناصر ويسألنا ويدخل علينا، فقال قراسنقر: والله، يا أبا سليمان ما بقى الملك الناصر يخلينا نعبر البلاد إلا إن كان بالرغم منه، وهذا رجل مُعاندُ مَكِر لا يرجع إلى أحد، فاتفقوا على أن يرسلوا قاصدًا إلى خَرْبندا يطلب لهم منه الأمان حتى يعبروا إلى بلاده، فقال لهم البيسري: والله، ما يجدون قاصدًا أَخْيَرَ مني، أنا أروح إليه، فقالوا له: إذا رُحْتَ أنت ينبغي أن لا يعلم بك أحد إلا الله تعالى، فقال: أنا أروح بالليل، فإذا أصبحتهم فقولوا هرب البيسري وأنا أروح إلى خرْبندا وآخذ منه الأمان وأرسله إليكم، فقال قراسنقر: أنا أكتب كتابًا إلى حاجب ماردين يُسَيِّر معك مماليكًا من جهته.
ثم تجهز وسار وعدَّى الفرات بالليل، وسار يطلب ماردين، ولما أصبحوا شاعوا بأن البيسري قد هرب الليلة، فرُكِبت الخيل، ورَكَب أيضًا مهنا وقَصُّوا أثاره إلى مخاضة الفرات، ثم رجعوا، ولم يروا شيئًا.