قد ذكرنا أن السلطان الملك المظفر قطز لما انتصر على التتار، ودخل دمشق ولّى عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبى أحد الأتراك، ولما استقر فيها نائبا شرع فى العشر الأخير من ذى القعدة [٤٤٥] فى عمارة قلعة دمشق، وجمع لها الصناع وكبراء الدولة والناس، وعملوا فيها حتى عملت النساء أيضا، وكان عند الناس بذلك سرور عظيم، ثم فى العشر الأول من ذى الحجة من هذه السنة دعا الناس إلى نفسه ولقب نفسه بالملك المجاهد، وذلك لما بلغه مقتل المظفر قطز، ودخل القلعة، واستقرّ فيها زاعما أنه سلطان.
قال ابن كثير: ولما جاءت البيعة للملك الظاهر بيبرس خطب له يوم الجمعة السادس من ذى الحجة، فدعى الخطيب للظاهر أولا ثم للمجاهد ثانيا (١)، وضربت السكة باسمهما معا أيضا، ثم ارتفع المجاهد هذا من البين على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
وفى تاريخ المؤيد: ولما بلغ علم الدين سنجر الحلبى الذى استنابه المظفر قطز على دمشق قتل قطز، جمع الناس وحلّفهم لنفسه بالسلطنة، وذلك فى العشر الأول من ذى الحجة من سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأجابه الناس إلى ذلك، وحلفوا له، ولم يتأخّر عنه أحد، ولقّب نفسه بالملك المجاهد، وخطب له
(١) «فدعى الخطيب أولا للمجاهد ثم للظاهر ثانيا» - البداية والنهاية ج ١٣ ص ٢٢٣.