للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوصل للدخول عليهم، فلما وصلت كتبه ورسائله أخذتهم الحمية وعطفتهم النفوس الأبية والصدقات المنصورية، ولم يرضوا بما جرى من الأضداد، وأظهروا الأهبة للمساعدة على المراد، وأرسلوا يعرفونه بأنهم طوع يده، ووفق مقصده، ومتى أراد الحركة بادروا نحوه، وحذوا في كل ما يؤثر حذوه، فتحرك من الكرك برأي مشترك (١).

ذكر (٢) حركة السلطان من الكرك في المرة الأولى

سار السلطان الناصر إلى البرج الأبيض من أعمال البلقاء، وسمعت الناس من جميع الجهات بأن الناصر نزل من الكرك وطلب دمشق، وسمع والى حُسْبان (٣)، وكان الأفرم قد سير له حَمَاما، فأطلقه بالبطاقة التي جاءت من وإلى حسبان، فارتجت دمشق بساكنيها وماجت بقاطنيها، وقال الأفرم للأمراء: ما تقولون في نزول هذا الصبي من الكرك؟ فكل واحد منهم قال شيئًا، ووصل عثمان الركاب ودنكز وأعطيا كتاب الناصر (٤) للأفرم، فلما قرأه اسود وجهه من الغيظ، ودمدم على دنكز وقال: أنت وأمثالك الذين حَمَّقوا هذا الصبي حتى يكتب لي هذا الكتاب، ويلك، مَنْ هو الذي يوافقه على ما فعل؟ وما فعل إلا وقد حان أجله، وشتمه، ثم حبسهما في قاعة السلاح، ثم طلب الأمراء وأخرج كتاب الناصر وقرأه عليهم، فنظر الأمراء بعضهم إلى بعض، ثم قالوا له: ماذا عولت؟ فقال: إن كان يلعب بعقل الناصر ويجئ فأنا أقبضه وأبعثه إلى مصر فيحبس هناك إلى أن يموت، فقال بيبرس المجنون: ما هذا بمصلحة تجاوب لابن أستاذك بهذا الجواب، ولكن لاطفه وقل له: أنت تعلم أننا كلنا متبعون مصر وما يبرز منها، فإن أردت الملك فاطلبه من مصر ولا تبتلش (٥) بنا وارجع عنا، فإن انتظم


(١) ينظر زبدة الفكرة ٤١٥ - ٤١٦.
(٢) ذكر: مكررة في الأصل، في نهاية الورقة ١١٠ وبداية الورقة ١١١.
(٣) حُسْبان: بضم الحاء وإسكان السين، بلدة صغيرة من عمل البلقاء، وكان واليها جنديًا، ينظر صبح الأعشى ٤/ ١٠٦، ٢٠١.
(٤) الناصر: ملحقة بهامش الأصل، ومنبه على موضعها بالمتن.
(٥) المقصود: لا تبدأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>