وقال: ما كان سبب رحيلهم؟ فقالوا: لا علم لنا، إلا أنهم جدوا علينا وأشرفوا على الأخذ، فإذا بهم وقد وقع بينهم أصوات في الليل، فلما أصبح الصباح ما رأينا منهم أحدًا، وأحرقوا المنجنيقات والزردخانة، وعدوا الفرات، وقطعوا الجسر، وسارت الكشافة وراءهم، ولم يروا لهم أثرًا.
فتعجب دنكز من ذلك، ومن الحال كتب دنكز مطالعة إلى السلطان، وأرسل خازنداره مع مملوك الأزكشي فلاقوا السلطان وهو على غزة، فأعلموه بذلك، فقال السلطان: لا غنى عن السير وراءهم، ولو قطعوا جيحون، ثم أنه أمر بالرحيل فرحلوا، وجدّوا يطلبون دمشق.
[ذكر وصول السلطان إلى دمشق]
ولما قرب السلطان من دمشق، ركب سيف الدين دنكز وسائر الخلق إلى ملاقاة السلطان، فلاقوه، ودعوا له، وكان يوم دخوله يومًا مشهودًا (١)، ونزل بالقصر، ونزلت العساكر في ظاهر دمشق، ثم طلب السلطان الأمراء، وقال لهم: تجهزوا، فإن الرحيل بعد ثلاثة أيام إلى بلاد العدو، ثم قال لهم: ما قلتم؟ فقالوا: خلد الله ملك السلطان، وإش نحن حتى نتحدث، والمرسوم مرسوم السلطان، فالسلطان يسير ونحن بين يديه، برجال لا يخافون الموت، بل يرونه مقيما، ويرون الحياة مغرما، فخرجوا على هذا وشرعوا في التجهز.
وفي تلك الليلة، طلب الأمراء كلهم، وقال: اعلموا أن فيكم مشايخ وقد شاهدوا الحروب وقاسوا النوائب فليشيروا علينا، فالرأى شرك، فقام الأمير سيف الدين كجكن، وجوبان، وبلبان البدرى، وأقجبا الظاهري، وبلبان التترى، هؤلاء من أمراء دمشق، ومن المصريين: الأمير جنكلي بن البابا، وطغاي، وكستاي، وبكتمر الحاجب،
(١) يوم الثلاثاء ثالث عشرين من شوال: في البداية والنهاية ١٨/ ١٢٤.