للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناصر، فكلما خدعهم بكتمر بالكلام لم يسمعوا منه، فقال لهم واحد من مماليك الأفرم: إن لم ترجعوا بالطيبة رديناكم بالغصب وباليد القوية، فلما سمعوا كلامه شتموه وشتموا النائب، وحطوا أيديهم على قوائم سيوفهم، وهموا أن يبطشوا به، وقالوا: يا قدِّ القِرْد من هو الذي يردنا؟ والله، لو جاء المظفر إلينا ضربنا رقبته، وحملوا على المملوك وأرادوا قتله، فما ردهم عنه إلا بكتمر الحاجب، وقال: والله، يا أمراء ما جئتكم بغضًا لكم، غير أنكم تعرفون أني ما أقدر على أن أخالف النائب، ثم إنه رجع عنهم وهو لا يصدق بالنجاة، وبقي يلوم المملوك على ذلك الكلام.

فلما وصل إلى باب الجابية لقى أقبجا الظاهري، فقال له: إلى أين؟ فقال: حتى ألحق الأمراء، وكان مع أقجبا [خمس] (١) مماليك، فقال له الحاجب: ارجع معي، فرجع معه إلى الأفرم، فتقدم بكتمر وحدث الأفرم بما جرى له مع الأمراء، وأنهم كلهم راحوا ولم يرجع إلا أقجبا، فطار عقل النائب وأيقن بزوال دولته، ثم إنه التفت إلى أقجبا وقال له: هذا فعل جيد؟ تفسد الأمراء وتروح معهم إلى الناصر، ولا بد لي أن أرسلك إلى الملك المظفر يفعل فيك ما يشاء، فضحك أقجبا وقال له نائبه: بهذا العقل تتكلم بهذا الكلام؟ فالملك المظفر بقى له ملك، فإن سمعت مني فأنا لك ناصح، فخذ مماليكك في هذه الساعة وسر إلى الملك الناصر أستاذك، ويكون لك الخير، وينالك منه كل ما طلبت، ويشكرك كل أحد، وإن لم ترح إليه، فهو جاء إليك ويأخذك أخذ المقتدر، فتصبح حائرًا نادمًا، فلما سمع الأفرم ذلك احترق قلبه من الغيظ، فقال له: يا شيخ النحس ما هذا الكلام؟ ثم أمر بأن يأخذوا سيفه ويضربوا رقبته، فمنعه بكتمر، وقال: لا تعجل فما ندري ماذا يكون أمرنا مع الناصر، فتعود تندم على فعلك، فأخرج أقجبا من عنده، وأمر به إلى الزرد خانة ورسم عليه خمس مماليك، ثم إنه جمع مماليكهـ الذين [يعتمد] (٢) عليهم، وطلب علاء الدين بن صبح وقال لهم: اعلموا أن الناصر يكون غدًا عندنا، وهذه عسكر دمشق كلهم معه، وكل واحد منهم قال شيئًا، فقال له ابن صبح: هذا كله ما ينفع، احترز لنفسك من قبل ما يقع العين


(١) حس: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.
(٢) تعتمد: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>