للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أمراء دمشق فإنهم بعد خروجهم من القصر تشاوروا في ماذا يصنعون؟ فقال لهم آقجبا الظاهري: يا قوم، إن الناصر قد وصل وأنتم تعلمون ما هو عليه من التهجم على الأمور الصعاب التي لا يقدر عليها أحد من الملوك، ولَتَعلمون عظم صبره على الأهوال ولا سيما إذا ظهر الحق وبأن الباطل من الصدق، وقد شاهدتموه يوم حمص وثباته، وقد هربت الأمراء والفرسان من بين يديه وهو واقف، وكذلك يوم مرج الصفر، وهذا كله (١) يدل على أن نفسه أبية وهمته علية، وأنه بعد ما شرع في هذا الأمر ما بقى يرجع عنه حتى تعض الخيل على لُجمها يَسيل نهر من الدم، فقالوا له: هذا كله صحيح، غير أننا انضرينا ولا ندري ما نفعل، و [هذه] (٢) كتب المظفر واصلة إلينا بأن التجاريد جائية إلى الشام، وهو اليوم صاحب البلاد، وهذا الناصر قد هجم علينا، فقال أقجبا: يا قوم خلو عنكم هذا الكلام، فإن الظاهر عنوان الباطن، والله، ما المظفر بخصم للناصر، ولا أمثاله، ولو كان ألفًا، والله، ليأخذن المُلك منه بعد أن يُوَلَّى هو صاغرًا ذليلًا، فالسعيد من والاه والشقي من عاداه، فقال كجكن: والله، لقد صدق أقجبا، ولكن يا أمراء على ماذا عولتم؟ فقال أقجبا وأقطوان الساقي: نروح إليه ونمتثل أمره.

قال الراوي: فاتفق الجميع على الرواح إليه، ثم انصرف كل واحد إلى منزله ليأخذ ما يحتاج إليه، وتواعدوا على الاجتماع في ميدان الحصى، وكان آخر النهار، فبعد ساعة قد اجتمعوا في ميدان الحصى، ولم يبق أحد إلا آقجبا الظاهري، فبقى القوم في انتظاره.

وسمع الأفرم بأن الأمراء راحوا إلى الملك الناصر، فطلب بكتمر الحاجب وقال: اذهب إليهم ورُدَّهم، فركب بكتمر بمماليكهـ ومماليك النائب وراح خلفهم، فلحقهم في ميدان الحصى، فقال: يا أمراء ما هو مصلحة تروحون بغير أمر النائب، فارجعوا إليه حتى تتفقوا معه، فهو خير لكم من رواحكم هكذا، فقالوا له: اذهب في حالك وما لنا أستاذ إلا الملك


(١) كله على: في الأصل، ومشطوب على كلمة على.
(٢) وهذا: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>