بكتاب المنصور إلى الأمير سيف الدين بلبان النائب بحلب بالقبض عليهم وهم راكبون فى الموكب، فلما وقف المذكور على المراسيم لم يسعه إلا اعتمادها، فطلب الأمراء واستدعاهم لينزلوا ويدخلوا معه دار النيابة ويحضروا السماط، وكان قد وقع لهم بعض هذا الخبر، وخامرهم الخور، وتقسمت بهم الفكر، وامتتعوا من حضور الخوان، وتحققوا مكيدة منكوتمر الخوان، ومضوا إلى خيامهم، فجهزوا أحوالهم وركبوا من وقتهم، وجاءوا إلى حمص إلى الأمير سيف الدين قفجاق لأنه كان بها وعسكر دمشق، فأطلعوه على الأخبار، واتفقوا معه على الفرار، وكان بحمص علاء الدين الطوان نائبا، فلم يستطع منعهم، ولا أمكنه صدّهم، ووضعوا أيديهم عليه، واستصحبوه معهم إلى القريتين مربوطا، وقادوه مكرها مضبوطا، ثم أنهم أطلقوه فعاد راجلا.
وكان الأمير سيف الدين قفجاق عند خروجه من دمشق متوجها إلى حمص أقام بها عوضا عنه الأمير سيف الدين صاغان متحدثا فى النيابة، فلما اتفق مقتل المنصور لاجين على ما نذكره إن شاء الله وثب عليه قرا أرسلان أحد أمراء دمشق ومسكه وسجنه، وأرسل سيف الدين بلغان بن كيجك الخوارزمى وراء قفجاق ليعلمه الخبر ويستدعيه ليعود إلى دمشق، فجاءه وهو قريب الفرات وأعلمه الحال [١٥١] فلم يصدق المقال، وخاف أن تكون حيلة معمولة فلم يرجع، وسار على ما هو عليه فيمن انضم إليه وساروا مجدين، فعبروا الفرات وقصدوا بلد التتار، وأنشدوا بلسان الاضطرار:
إذا ما خفت فى أرض فدعها … وحثّ اليعملات على وجاها
ونفسك فزنها إن خفت ضيما … وخّل الدار تنعى من بناها