تسفير جمالهم إلى تحصيل الشعير والتبن وما يحتاجون إليه، وجاءت الأمطار الكثيرة بإذن الله خارجة عن الحدّ والعادة، واستمرت ليلا ونهارا عشرة أيام، ثم أصبحت فى نهار واحد من بكرة النهار إلى الظهر، ثم شرعت وتزايدت إلى أن منعت المسافرين والجافلين عن جلب الأشياء، فضاقت بهم الأحوال، فصار كل أمير إذا أراد طبخ شئ من الطعام يستر مطبخه باللبابيد الكثيرة حتى يتيسر إيقاد النار، فأقامت المطر على منوال واحد أحدا وأربعين يوما بلياليها، لم يتلذذ فيها أحد بالنوم من شدة البرد والرّعد والمطر والثلج والبرد الذى يمنع الرجل عن القيام لمصلحته، وكذلك بلغت أحوال الخيول فلا يقدر أحدا منها أن يضع جنبه على الأرض ولا يشرب الماء إلا من النهر الذى يجرى بين يديه، فتحسنت أسعار التبن والشعير وغير ذلك.
قال صاحب النزهة: اشترينا الحمل من التبن بأربعين درهما، والعليقة الواحدة بثلاثة دراهم، والخبز كل ثلاثة أرغفة بدرهم، والرطل من اللحم بثلاثة دراهم، وانقطع الجلب من سائر الأماكن، ثم حصل بعد ذلك سيل عظيم من الأمطار والثلوج التى ذابت من الجبال وانحدر فى النهر إلى أن فاض من جوانبه وارتفع إلى أن علا من فوق القنطرة، وجاء عقيب ذلك برد عظيم جدا حتى مات من الغلمان جماعة كثيرة من البرد، وتلفت حال العسكر، وتلف جميع ما معهم من الثياب والقماش والخيام وأنواع [٢٤١] المأكولات بحيث أن أحدا ما كان يقدر على القعود فى الخيام من المياه من كثرة المطر، ثم أجمع رأيهم على الرحيل، فنودى فى العسكر بالركوب بكرة النهار، وأول من ركب وتقدم الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، وقدّامه حزمة حطب على السرج ورماها فى الوحل، ثم