فى السير إلى أن وصل إلى رأس العقبة مستهل رمضان كما ذكرنا، والتقى الأمراء بالسلطان وترجلوا وباسوا الأرض، وما لحقوا أن يقفوا إلا وأجناد العدو قد وصلت بوصوله، فوقف السلطان وأمر للنقباء والحجاب أن يدوروا على الجيش ويأمروهم بلبس الأسلحة والاستعداد للملاقاة، وبقى السلطان والأمراء راكبين فى الموكب سائرين، واستعد العساكر باللبس والتجهيز.
وفى ذلك الوقت وقع كلام فج بين الأمير شمس الدين سنقر العلائى - أحد الأمراء البرجيّة - وبين الأمير حسام الدين الأستادار، وكان هذا سنقر من جمرة البرجية التى تتعد وكان مدلا بشبابه وقوة ساعده وفروسيته، ولما رأى الأمراء سلّم عليهم، ورآهم على تلك الصورة، أنكر عليهم، فصار كل أحد منهم يحكى له حكاية، ومال بعضهم فيها على حسام الدين الأستادار حيث أنه منع العسكر عن ملاقاة العدو، وترك دمشق وأخذ العسكر وأخلاها، وأشار إليهم أن الملاقاة تكون بحضور السلطان، وأن الأمير ركن الدين بيبرس وافقه على هذا الرأى، فتبعته الأمراء، فما سمع سنقر هذا الكلام إلاّ وقد ركض فرسه وسط الموكب وقال للأمير بيبرس: يا أمير إش هذا الرأى الذى فعلته بالناس حتى أفسدت حال العسكر، وكسرت قلوب أهل دمشق، ونهبت أموالهم، وسمعت من واحد قد كبر وخرف وما يشتهى الموت، والأمير حسام الدين إلى جانب السلطان يتحدث معه ويسمع كلامه، ثم التفت بيبرس إليه وقال له: اسكت، ما هذا الكلام؟، ثم قال حسام الدين: يا أمير - يخاطب سنقرا - أما أنا فإنى أشرت إليهم، فالله يطالبنى بها يوم القيامة إن كان قصدى فساد المسلمين، وأما أنى كبرت فصحيح، ولكنى ما خرفت، فوقع بينهما كلام كثير، ثم غضب بيبرس وصاح على سنقر العلائى وأخرجه من مكان كان واقفا فيه.