وأقبل هلاون بجنوده يقصد نحو الشام، ونازل حران وملكها، واستولى على البلاد الجزرية، وأرسل ولده شموط بن هلاون إلى الشام، فوصل إلى ظاهر حلب فى العشر الأخير من ذى الحجة من هذه السنة، وكان الحاكم فى حلب يومئذ الملك المعظم توران شاه (١) بن السلطان صلاح الدين نائبا عن ابن ابن أخيه الملك الناصر، فخرج فى عسكر حلب لقتالهم، ولم يكن من الرأى خروجه، وأكمن لهم التتار فى باب إلىّ المعروف بباب الله، وتقاتلوا عند بانقوسا، فاندفع التتار قدامهم حتى خرجوا عن البلد، ثم عادوا عليهم، وهرب المسلمون طالبين المدينة، والتتار يقتلون فيهم حتى دخلوا البلد، واختنق جماعة من المنهزمين فى أبواب البلد، ثم رحل التتار إلى عزاز فتسلموها بالأمان.
وكان الملك الناصر قد أرسل قبل ذلك القاضى الوزير كمال الدين عمر بن أبى جرادة المعروف بابن العديم إلى الديار المصرية رسولا يستنجد المصريين على قتال التتار، فإنهم قد اقترب قدومهم إلى الشام، وأنهم قد استولوا على حران وبلاد الجزيرة وغيرها فى هذه السنة، وقد جاز شموط بن هلاون الفرات واقترب من مدينة حلب.
فعقد لذلك مجلس بالديار المصرية بين يدى الملك المنصور بن الملك المعز أيبك التركمانى، وحضر قاضى القضاة بالديار المصرية بدر الدين السنجارى، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأفاضوا الكلام فيما يتعلق بأخذ شئ من أموال الناس لمساعدة الجند، وكانت العمدة على ما يقوله ابن عبد السلام، فكان
(١) هو توران شاه بن يوسف بن أيوب، الملك المعظم فخر الدين أبو المفاخر، المتوفى سنة ٦٥٨ هـ/ ١٢٦٠ م - المنهل الصافى ج ٤ ص ١٨٠ رقم ٨٣، وانظر ما يلى فى وفيات ٦٥٨ هـ.