ومنها: أن الفرنج الذين كانوا بحصن المرقب طمعوا فى البلاد، وذلك لما بلغهم هجوم التتار على البلاد، وانجفال العساكر من حلب، واعتمدوا على الفساد، وتطرقوا إلى أذّية المسلمين بأطراف تلك البلاد، فأرسل الأمير سيف الدين بلبان الطباخى المنصورى، وهو حينئذ نائب السلطنة بحصن الأكراد وما معه يستأذن السلطان فى غزوهم لقرب المرقب إليهم واستطالته عليه، وهوّن على السلطان أمر من به من الخيالة وذكر له قلة من فيه من الرجاله، فأذن له فى ذلك، فسار ومعه الجيش من الحصون وأمراء التركمان ورجّاله تلك النواحى، واستصحب الجانيق والآلات، وتقدّم إلى أن وقف قريبا من الحصن، وهو حصن عالى المرام، لا يصله من أسفله السهام، وأخفى أهله أمرهم ولم يتحركوا فى فى مبدأ الحال، فازداد العسكر فيهم طمعا وإليهم تقدّما، فلما صاروا بحيث تبلغ إليهم السهام أرسلوا عليهم الجروخ فنالت منهم النصال، وأنكت فيهم النبال، فاضطرب من كان معه من الجنود، وتململ من كان صحبه من الحشود، فلما رأى اضطرابهم استشار بعض من عنده من الأمراء فى التأخّر شيئا يسيرا بحيث يمتنع وصول النشاب إليهم، ثم تأخر راجعا وثنى عنانه للرجعة مسارعا، والناس لا يعلمون أن ذلك التأخر برأى وتدبير، فظنوها الهزيمة، فولوا الأدبار وأسرعوا الفرار، ورأى الفرنج ما كان، ففتحوا أبواب الحصن وجاءوا من كل مكان، وتبادر الرجالة، وتبعهم الفرسان، ونالوا من المسلمين، وجرحوا منهم جماعة، ونهبو ما أمكنهم، وأسروا من الرجالة جماعة، وبلغ السلطان ذلك فأنكره وأكبره،