وساعة تسمع من الله تعالى:{وَلَقَدْ. .}[لقمان: ١٢] فاعلم أن هنا قَسَماً فالواو واو القسم، والمقسَم عليه مُؤكَّد باللام ومُؤكَّد بقد التي تفيد التحقيق.
قوله سبحانه:{آتَيْنَا. .}[لقمان: ١٢] الحق - سبحانه وتعالى - في إتيانه للأشياء يعني تعدَّي ما قدره لمن قدره من خير ظاهر ومن خير مستور. وقبل أنْ يخلق الله الإنسان خلق له، فجاء الإنسان الأول (آدم عليه السلام) وطرأ على كون فيه كل مُقوِّمات حياته من هواء وماء وأرض وسماء وطعام وشراب. . الخ.
وكل ذلك مُسخَّر له تسخيراً لا دَخْلَ للمنتفع به فيه، وهذا أول الإيتاء، بل قبل ذلك، وفي الأزل قبل أن يخلق الإنسان خلق له مُقوِّمات مادته ومُقوِّمات قيمه وروحه - أي: أوجدها.
لأننا نعلم أن كل صانع قبل أن يُقدِم على صَنْعة لا بُدَّ أن يُحدِّد الغاية، ويضع الهدف منها أولاً، لا أنْ يصنع الشيء ثم ينظر فيه: لأيِّ شيء يصلح هذا الشيء، كذلك لا بُدَّ أنْ يسبق الصنعةَ منهجُ صيانتها.
فالحق سبحانه قبل أنْ يخلق الإنسان وضع له مُقوِّماته المادية والمعنوية، والمنهج الذي يُصلِحه وحدّد الهدف من وجوده؛ لذلك يُنبِّهنا الحق سبحانه إلى هذه المسألة في قوله تعالى:{الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان}[الرحمن: ١ - ٣] فقبل أنْ يخلق الله الإنسانَ وضع المنهج الذي به صيانته، وهو القرآن الكريم.
إذن: فمعنى الإيتاء أنْ يعدي الله ما قدره من خير ظاهر أو خير مستور لمن قدره، والخير يكون على نوعين: خير يقيم المادة، وخير يقيم القيم الروحية، المادة تقوم بالهواء وبالطعام وبالشراب. . الخ، والقيم تقوم بالوحي وبالمنهج الذي حمله الرسل بافعل ولا تفعل.