إن حمَلَة الدعوة بحاجةٍ ماسة للتواصل الواثق بالله ذي القوة المطلقة، والقدرة المطلقة .. وربنا سبحانه وتعالى يمدهم بهذا؛ لأنه مطلعٌ وعالمٌ بما يكتنف مسيرة الدعوة من الشرور والمؤامرات والحسد والنكايات ووساوس الصدور.
سورة خاصة بالاستعاذة من الشر الكلي العام من كل ما خلق .. فيشمل كل شر حتى شر النفس التي بين جنبيك بما يصيبها من هوى وتخذيل وتثبيط عن المضي في خط الصراط المستقيم.
وهكذا شر الليل المتدفق؛ لأن في الليل تحاك المؤامرات والكيود عادة وتدبر ويخطط لها .. وهكذا كثير من الشرور يحويها الليل وظلمته؛ ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج عند هدأة الرجل من الليل (١) .. حتى شر النفاثات والشعوذة والدجاجلة وشر الحاسدين والحاقدين الذين ينفثون كما تنفث النفاثات، ينفثون بحسدهم فيكيلون التآمر والشر .. كل هؤلاء قوى تواجه بالآيات الربانية ..
ثم أفرد سورة مستقلة هي سورة الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(الناس: ١ - ٦)؛ للاستعاذة من شر الوسواس فقط .. كأنه أخطر الشرور ..
إنه يهاجم من الداخل يغويك .. يربكك .. هذا الذي يزرع الشكوك والظنون ويزرع الأوهام .. وهو خناس -أي يضع الكلمة ثم يخنس هارباً- هذا ما يعطيه اللفظ .. وهو كذلك يفر إذا تذكر العبد ربه كما هو أحد وجهي التفسير، وهو من نوعي مخلوقات التكليف خناس وسواس جني وإنسي .. كلهم يؤدون الطابور السادس ..
(١) - أخرجه الحميدي برقم (١٣٢٧) بسند صحيح على شرط مسلم، وأبو داود برقم (٥١٠٦)، وكلاهما عن جابر بن عبدالله مرفوعا بلفظ «أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل فإن لله تعالى دواب يبثهن فى الأرض».