والدليل على جواز كشفه قوله تعالى (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) (النساء: ١٤٨). ولا يشمله أحاديث ستر المؤمن؛ لأن ذلك فيمن ارتكب محرما في نفسه غير متعدٍ ضرره، وإلا لزم ستر القاتل.
فهذا أراد فسادا ينسبه لغيره ظلما وعدوانا؛ ليمنع الوصول إلى حق أو نصرة مظلوم بمظاهرة وقد فعل ذلك.
ولا يندفع هذا الرمي العام بالكذب إلا ببيان عام للعامة، فتعين، ولفعل يوسف لدفع التهمة عن نفسه، ولم يقدم الستر على فاعلات ذلك (١)؛ لتعلقه بمظلمة عمت فلا تدفع إلا ببيان عام، وشرع من قبلنا شرع لنا ولم يرد في هذه المسألة ما يخالفه في شرعنا.
فيبقى أمر الاقتداء على وجهه (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: ٩٠).
ولأن من قصد فضح مسلم بإلصاق تهمة كذب به فجزاؤه مثله بالبيان العام لفضح كذبه؛ لأن جزاء سيئة سيئة مثلها، فجاز فضح كذبه علنا (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: ٤٠)، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: ١٩٤).
ولأن الله يقول (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) (النساء: ١٤٨).
ومن أتلف شيئا ضمنه شخصيا حال مظاهرة أو غيرها.
فإن ادعى إغراء فلان له فأثبت الدعوى عوقب معه.
ويحقق للوصول إلى الجناة، فإن لم يتبين شخص من أتلف لكثرة المظاهرة، أو لكثرة من فعل ذلك شرع على المسلمين تعويضه ببذل وعام؛ لأنه ضرر فاحش على خاصٍ منسوب لنازلة عامة ظاهرةٍ، فدفعه من التعاون على البر والتقوى.
فإن لم يحصل ذلك عُوِّض وجوبا من مال المسلمين العام من خزينة الدولة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودى قتيلا لم يعلم قاتله من بيت المال؛ لأن دم المسلم لا يسقط، وكذا ماله لا يسقط
(١) - قال تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) (يوسف: ٥١ - ٥١).