للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعصيان المدني ليس خروجا على الجماعة والنظام؛ لأن الذي تمارسه هي الجماعة كلها، أو غالبها، ولأن دلالات المنصوص دلت عليه، وقواعد وأصول الشرع لا تمنعه.

وهناك فرق بين خروج الجماعة ككل على الحاكم، وخروج شرذمة من الجماعة على الجماعة وهو الانقلاب، أو عن الجماعة وهو الانشقاق، والحاكم خارج عن إرادة الجماعة وهو فرد خالف مقصود العقد المبرم معه، وعاد عليه بالإبطال فبطل عقده وخرج عن الجماعة وشرطها ويدها.

ومن الأدلة قوله تعالى (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (الشورى: ٤١ - ٤٢).

فهذا يدل على أن الانتصار العادل الذي يقوم به المظلوم ضد الظالم لا يؤاخذ عليه، وهذا عام يدخل فيه الإضرابات والاعتصامات، والمظاهرات، والعصيان المدني، وكلها وسائل سلمية لتغيير المنكر والظلم، فجازت. فكل مظلوم صنع ذلك فلا سبيل عليه، بل يعد فعله من الأمور التي مدح الله بها المؤمنين.

ويصنع كل ذلك بحسب المظالم عموما عاما، أو عموما خاصا.

فالبغي العام يدفع بما يناسبه زمانا ومكانا.

والظلم العام على الأمة يدفع بتغيير عام من الأمة لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: ١١) (١).

فشرع فعلها جوازا أو وجوبا؛ لأنها وسيلة إلى تغيير المنكر، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد. ولأن من ادعى المنع لا حجة له سوى التعلق بأحاديث الصبر والطاعة والخروج، وكلها لا تأتي هنا، إذ هي واردة في وقائع جزئية يسيرة لا في عموم فساد في الأرض، وشرط القياس مساواة الفرع للأصل المقيس عليه، أما كونها خروجا فلا معنى له؛ لأنه وارد في الخروج


(١) - فهذا أمر بتغيير الجبن إلى شجاعة، والسكوت عن الظلم إلى التعبير ضده، والتعاون مع الحاكم الظالم إلى التعاون مع الشعب، والنفاق والمداهنة النفعية إلى البراءة منها وتحديد الموقف.
وهذا الموضع كان الخاتمة وآخر ما كتبته من الكتاب، وكان قبل سقوط نظام الزين في تونس الذي مثل أول الربيع العربي، ثم أضفت له بعد الثورات في أول سنة ٢٠١٢ م تمام الجزء الاقتصادي وبعض المسائل المتفرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>