وقولنا «مثلية»: لقوله تعالى في السلم (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(الأنفال: ٦١).
والنهي عن طلب السلم منا هو مع عدم طلبهم ذلك؛ فيكون الابتداء به فيه نوع وهن؛ ولأنها خلاف سياسة المماثلة، إذْ من حارب قوبل بالمثل، فعرض السلم عليه ممنوع ابتداء؛ لأنه يؤوَّل بالوهن، قال تعالى (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ)(محمد: ٣٥).
فأمر بالاعتداء المماثل لا مجرد دفع الاعتداء، فمن احتل دولة للإسلام فالرد من وجهين واجبين، الأول: إخراجه منه، والثاني: الاعتداء عليه باحتلال مماثل قدرا وزمنا ومكانا عند القوة وإلا اكتفي بمجرد الدفع. هذا ما تقتضيه الآية من الفهم.
وإخراج الاحتلال دليله الخاص (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)(البقرة: ١٩١).
وقولنا «عادلة»: دليله قوله تعالى (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ)(المائدة: ٨)، فأمر بالعدل مع العدو، فكيف مع من يعدل معك ويسالمك؟
ولا يلزم من كون الدولة دولة حرب أن شعبها كذلك، بل عامة مواطنيها وقاطنيها أهل سلم، من نساء، وأطفال، وشيوخ، وعباد.
وكل من لم يقاتل ويعاون ويظاهر على الحرب فهو من أهل السلام، لعموم قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(الممتحنة: ٨ - ٩).