للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدور الكون دورته ويبدأ عصر الآلة وتتغير طرق الإنتاج وندخل طور المجتمع الصناعي، ويتوسع مجتمع المدينة وتبنى علاقات غير التي عهدتها المجتمعات الزراعية والرعوية.

لقد منح الله سبحانه وتعالى الإنسان القدرة على التعلم وطلب المزيد من المعرفة حتى غدا بحواسه يميز ما يعينه على تكوين قدرات عقلية تمكنه من العلم.

ولكن بالانخراط بالواقع ومعايشة الناس تعاملاً معهم في صور الحياة المختلفة ومساهمة واقعية في أنشطتهم المتنوعة.

إن الجهل بالواقع والغفلة عنه يؤدي إلى أن يسود الجمود والتحجر والانغلاق وتغييب سعة الإسلام ورحمته ولا تستوعب مقاصده.

ثم الوقوف على ما يهم المسلمين وهو نتيجة لدراسة مستفيضة لهذا الواقع.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله (ت ٥٠٥ هـ) في حديثه عن حصر المصالح الضرورية: «ومقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة والدفاع عنها مصلحة، وهذه الأصول حفظها واقع وأولوية في رتبة الضرورات فهو أقوى المراتب في المصالح» (١).

والأمور الحاجية هي الأمور التي يحتاجها الناس لتأمين شؤون الحياة بيُسر وسهولة، وتدفع عنهم المشقة وتخفف عنهم التكاليف وتساعدهم على تحمل أعباء الحياة، وإذا فقدت سيلحق الناس الحرج والضيق والمشقة.

وتأتي الأحكام لتحقق للناس مصالحهم وترفع عنهم العسر وتيسر لهم سبل التعامل وتساعدهم على صيانة مصالحهم.

ويؤكد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في غير موضع أن على المجتهد أن يكون ملمًّا بثقافة عصره حتى لا يعيش منعزلاً عن واقعه بعيداً عن هموم ما يعانيه أبناء أمته، وحتى تتكون لديه مفاهيم جديدة يواجه بها مستجدات العصر ومتغيرات الحياة.

يقول الدكتور عبدالسلام ياسين رحمه الله (ت ١٤٣٣ هـ): إن من لا يعرف واقع المسلمين ومنابع الفتنة في تاريخهم وحاضرهم وطبيعة الصراع بين الإسلام وخصومه لا يستطيع أن ينزِّل شرع الله على واقع يستعصي (٢).


(١) - انظر المستصفى في علم الأصول ١/ ١٧٤.
(٢) - انظر كتابه «تنوير المؤمنات» صـ (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>