للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تشتد وطأة البلاء فيسود مصطلح: لا يجوز، يحرم ... ، تعبيراً عن الرفض فتتسع دائرة الحرام، فلا يجد الفقهاء مخرجاً لكثير من مستجدات العصر وهذه كارثة.

يقول الإمام الكيا الهراسي الشافعي -رحمه الله (ت ٥٠٤ هـ): وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة، بل هو عزيمة واجبة، ولو امتنع المسلم عن أكل الميتة في تلك الحالة كان عاصياً (١).

وهذه مراعاة للنفس البشرية وأحوالها والتيسير عليها ورفع الحرج عنها (٢).

جاء في مصنف (٣) الإمام عبدالرزاق الصنعاني (المتوفى ٢١١ هـ): «أن عمر بن الخطاب أرسل إلى امرأة مغيبة -أي غاب عنها زوجها- كان يُدخل عليها فأنكر ذلك، فأرسل إليها، فقيل لها: أجيبي عمر؟ فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر، قال: فبينا هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... فقال لعلي: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: ... أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سببك، قال: فأمر عليًّا أن يقسم عقله على قريش» (٤).

من أين لنا اليوم عمر ومن أين لنا اليوم علي؟

كم قتلت نساءٌ بطائرات وصواريخ وراجمات وبراميل وكم فزعن وكم أسقطن ولا رقيب ولا حسيب، ولا عمر ولا عليّ.

ثم عودة أخرى إلى الواقع.

ونعني بالواقع ما تجري عليه حياة الناس في مجالاتها المختلفة من أنماط مختلفة في المعيشة وما يستجد فيها من أحداث ونوازل.

فتنزيل النصوص إنما هو ثمرة فهم الواقع وتفاعل النص مع الواقع، والواقع هو الأفعال الإنسانية التي يراد تنزيل الأحكام عليها وتوجيهها بحسبها.

وفقه الواقع بني على دراسة الواقع المعاش دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الحياة، معتمدة


(١) - نسب خطأً هذا النص المدون في الطبعة الأولى للإمام الجصاص (المتوفى ٣٧٠ هـ).
(٢) - انظر: كتاب أحكام القرآن ١/ ٣٤.
(٣) - طبع في المكتب الإسلامي، بيروت في «١٢» مجلداً، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، والإمام المحدث عبدالرزاق بن همام الصنعاني المتوفى بصنعاء، وقبره في قرية حمراء العلب في الجنوب الشرقي من صنعاء بمسافة «٥» كم تقريباً، وقد زرت مسجده وقبره فيه.
(٤) - انظر: المصنف ٩/ ٤٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>